المسألة الخامسة : سأل القاضي عبد الجبار نفسه فقال : إذا كانت هذه المعصية صغيرة فكيف تلزم التوبة ؟ وأجاب بأن أبا علي قال : إنها تلزمه لأن المكلف متى علم أنه قد عصى لم يحد فيما بعد ، وهو مختار ولا مانع من أن يكون نادما أو مصرا لكن الإصرار قبيح فلا تتم مفارقته لهذا القبيح إلا بالتوبة ، فهي إذن لازمة سواء كانت المعصية صغيرة أو كبيرة وسواء ذكرها وقد تاب عنها من قبل أو لم يتب . أما أبو هاشم فإنه يجوز أن يخلو العاصي من التوبة والإصرار ويقول : لا يصح أن تكون التوبة واجبة على الأنبياء لهذا الوجه بل يجب أن تكون واجبة لإحدى خلال ، فإما أن تجب ؛ لأن بالصغيرة قد نقص ثوابهم فيعود ذلك النقصان بالتوبة ؛ وإما لأن التوبة نازلة منزلة الترك ، فإذا كان الترك واجبا عند الإمكان فلا بد من وجوب التوبة مع عدم الإمكان ، وربما قال : تجب التوبة عليهم من جهة السمع ، وهذا هو الأصح على قوله ؛ لأن التوبة لا يجوز أن تجب لعود الثواب الذي هو المنافع فقط ؛ لأن الفعل لا يجوز أن يجب لأجل جلب المنافع كما لا تجب النوافل بل حالا بعد حال وإن كانت معاصيهم صغيرة . الأنبياء عليهم السلام لما عصمهم الله تعالى صار أحد أسباب عصمتهم التشديد عليهم في التوبة