المسألة الثانية : اعلم أن المعتزلة قد طعنوا في هذه القصة من وجوه :
أحدها : قال الجبائي : ذهب بعض الجهال إلى أن ما كان به من المرض كان فعلا للشيطان سلطه الله عليه ؛ لقوله تعالى حكاية عنه : ( مسني الشيطان بنصب وعذاب ) [ ص : 41 ] وهذا جهل ، أما أولا فلأنه لو قدر على إحداث الأمراض والأسقام وضدهما من العافية لتهيأ له فعل الأجسام ، ومن هذا حاله يكون إلها ، وأما ثانيا فلأن الله تعالى أخبر عنه وعن جنوده بأنه قال : ( وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي ) [ إبراهيم : 22 ] ، والواجب تصديق خبر الله تعالى ، دون الرجوع إلى ما يروى عن رضي الله عنه . وهب بن منبه
واعلم أن هذا الاعتراض ضعيف ؛ لأن المذكور في الحكاية أن الشيطان نفخ في منخره ، فوقعت الحكة فيه ، فلم قلتم : إن القادر على النفخة التي تولد مثل هذه الحكة لا بد وأن يكون قادرا على خلق الأجسام ؟ وهل هذا إلا محض التحكم ؟ وأما التمسك بالنص فضعيف ؛ لأنه إنما يقدم على هذا الفعل متى علم أنه لو أقدم عليه لما منعه الله تعالى عنه ، وهذه الحالة لم تحصل إلا في حق أيوب عليه السلام على ما دلت الحكاية عليه من أنه استأذن الله تعالى فأذن له فيه ، ومتى كان كذلك لم يبق بين ذلك النص وبين هذه الحكاية مناقضة .
وثانيها : قالوا : ما روي أنه عليه السلام لم يسأل إلا عند أمور مخصوصة فبعيد ؛ لأن الثابت في العقل أنه يحسن من المرء أن يسأل في ذلك ربه ، ويفزع إليه كما يحسن منه المداواة ، وإذا جاز أن يسأل ربه عند الغم مما يراه من إخوانه وأهله ، جاز أيضا أن يسأل ربه [ ص: 181 ] من قبل نفسه .
فإن قيل : أفلا يجوز أنه تعالى تعبده بأن لا يسأل الكشف إلا في آخر أمره ، قلنا : يجوز ذلك بأن يعلمه بأن إنزال ذلك به مدة مخصوصة من مصالحه ومصالح غيره لا محالة ، فعلم عليه السلام أنه لا وجه للمسألة في هذا الأمر الخاص ، فإذا قرب الوقت جاز أن يسأل ذلك ، من حيث يجوز أن يدوم , ويجوز أن ينقطع .
وثالثها قالوا : انتهاء ذلك المرض إلى حد التنفير عنه غير جائز ؛ لأن ؛ فهذا جملة ما قيل في هذه الحكاية . الأمراض المنفرة من القبول غير جائزة على الأنبياء عليهم السلام