المسألة الأولى : قرئ : ( مثقال حبة ) على كان التامة كقوله تعالى : ( وإن كان ذو عسرة ) [البقرة : 280] وقرأ رضي الله عنهما ( آتينا بها ) وهي مفاعلة من الإتيان بمعنى المجازاة والمكافأة لأنهم أتوه بالأعمال وأتاهم بالجزاء ، وقرأ ابن عباس حميد : أثبنا بها من الثواب ، وفي حرف أبي : جئنا بها .
المسألة الثانية : لم أنث ضمير المثقال ؟ قلنا : لإضافته إلى الحبة كقولهم ذهبت بعض أصابعه .
المسألة الثالثة : زعم الجبائي أن من استحق مائة جزء من العقاب فأتى بطاعة يستحق بها خمسين جزءا من الثواب فهذا الأقل ينحبط بالأكثر ويبقى الأكثر كما كان . واعلم أن هذه الآية تبطل قوله لأن الله تعالى تمدح بأن ، ولو كان الأمر كما قال اليسير من الطاعة لا يسقط الجبائي لسقطت الطاعة من غير فائدة .
المسألة الرابعة : قالت المعتزلة : قوله : ( فلا تظلم نفس شيئا ) فيه دلالة على أن مثل ذلك لو ابتدأه الله تعالى لكان قد ظلم ، فدل هذا الوجه على . والجواب : الظلم هو التصرف في ملك الغير وذلك في حق الله تعالى محال لأنه المالك المطلق ، ثم الذي يدل على استحالة الظلم عليه عقلا أن الظلم عند الخصم مستلزم للجهل أو الحاجة المحالين على الله تعالى ومستلزم المحال محال ، فالظلم على الله تعالى محال . وأيضا فإن الظالم سفيه خارج عن الإلهية فلو صح منه الظلم لصح خروجه عن الإلهية ، فحينئذ يكون كونه إلها من الجائزات لا من الواجبات ، وذلك يقدح في إلهيته . أنه تعالى لا يعذب من لا يستحق ولا يفعل المضار في الدنيا إلا للمنافع والمصالح
المسألة الخامسة : إن قيل : الحبة أعظم من الخردلة ، فكيف قال : ( حبة من خردل ) ؟ قلنا : الوجه فيه أن [ ص: 154 ] تفرض الخردلة كالدينار ثم تعتبر الحبة من ذلك الدينار ، والغرض المبالغة في أن شيئا من . الأعمال صغيرا كان أو كبيرا غير ضائع عند الله تعالى
أما قوله تعالى : ( وكفى بنا حاسبين ) فالغرض منه التحذير فإن المحاسب إذا كان في العلم بحيث لا يمكن أن يشتبه عليه شيء ، وفي القدرة بحيث لا يعجز عن شيء ، حقيق بالعاقل أن يكون في أشد الخوف منه ، ويروى عن الشبلي رحمه الله تعالى أنه رئي في المنام فقيل له : ما فعل الله بك فقال :
حاسبونا فدققوا ثم منوا فأعتقوا