النوع الثاني من الدلائل : قوله تعالى : ( وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قال صاحب " الكشاف " قوله : وجعلنا لا يخلو إما أن يتعدى إلى واحد أو اثنين ، فإن تعدى إلى واحد فالمعنى خلقنا من الماء كل حيوان كقوله : ( والله خلق كل دابة من ماء ) [النور : 45] أو كأنما خلقناه من الماء لفرط احتياجه إليه وحبه له وقلة صبره عنه كقوله : ( خلق الإنسان من عجل ) [الأنبياء : 37] وإن تعدى إلى اثنين فالمعنى صيرنا كل شيء حي بسبب من الماء لا بد له منه ومن هذا نحو من في قوله عليه السلام : " " وقرئ حيا وهو المفعول الثاني . ما أنا من دد ولا الدد مني
المسألة الثانية : لقائل أن يقول كيف قال : وخلقنا من الماء كل حيوان ، وقد قال : ( والجان خلقناه من قبل من نار السموم ) [الحجر : 27] وجاء في الأخبار أن الله تعالى خلق الملائكة من النور وقال تعالى في حق عيسى عليه السلام : ( وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني ) [المائدة : 110] وقال في حق آدم : ( خلقه من تراب ) [آل عمران : 59] والجواب : اللفظ وإن كان عاما إلا أن القرينة المخصصة قائمة ، فإن الدليل لا بد وأن يكون مشاهدا محسوسا ليكون أقرب إلى المقصود ، وبهذا الطريق تخرج عنه الملائكة والجن وآدم وقصة عيسى عليهم السلام ، لأن الكفار لم يروا شيئا من ذلك .
المسألة الثالثة : اختلف المفسرون فقال بعضهم : المراد من قوله : ( كل شيء حي ) الحيوان فقط ، وقال آخرون : بل يدخل فيه النبات والشجر لأنه من الماء صار ناميا وصار فيه الرطوبة والخضرة والنور والثمر ، وهذا [ ص: 142 ] القول أليق بالمعنى المقصود ، كأنه تعالى قال : ففتقنا السماء لإنزال . حجة القول الأول أن النبات لا يسمى حيا ، قلنا : لا نسلم والدليل عليه قوله تعالى : ( المطر وجعلنا منه كل شيء في الأرض من النبات وغيره حيا كيف يحيي الأرض بعد موتها ) [الروم : 50] أما قوله تعالى : ( أفلا يؤمنون ) [الأنبياء : 30] فالمراد أفلا يؤمنون بأن يتدبروا هذه الأدلة فيعلموا بها الخالق الذي لا يشبه غيره ويتركوا طريقة الشرك .