( وما أعجلك عن قومك يا موسى قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى ) .
قوله تعالى : ( وما أعجلك عن قومك ياموسى قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى ) .
اعلم أن في قوله : ( وما أعجلك عن قومك يا موسى ) دلالة على أنه قد تقدم قومه في المسير إلى المكان ويجب أن يكون المراد ما نبه عليه في قوله تعالى : ( وواعدناكم جانب الطور الأيمن ) [ طه : 80 ] في هذه السورة ، وفي سائر السور كقوله : ( وواعدنا موسى ثلاثين ليلة ) [ الأعراف : 142 ] يريد الميقات عند الطور وعلى الآية سؤالات :
السؤال الأول : قوله : ( وما أعجلك ) استفهام وهو على الله محال . الجواب أنه إنكار في صيغة الاستفهام ولا امتناع فيه .
السؤال الثاني : أن موسى عليه السلام لا يخلو إما أن يقال : إنه كان ممنوعا عن ذلك التقدم أو لم يكن ممنوعا عنه ، فإن كان ممنوعا كان ذلك التقدم معصية فيلزم وقوع ، وإن قلنا : إنه ما كان ممنوعا كان ذلك الإنكار غير جائز من الله تعالى . والجواب : لعله عليه السلام ما وجد نصا في ذلك إلا أنه باجتهاده تقدم فأخطأ في ذلك الاجتهاد فاستوجب العتاب . المعصية من الأنبياء
السؤال الثالث : قال : ( وعجلت ) مذمومة . والجواب : إنها ممدوحة في الدين . قال تعالى : ( والعجلة وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة ) [ آل عمران : 133 ] .
السؤال الرابع : قوله : ( لترضى ) يدل على أنه عليه السلام إنما فعل ذلك لتحصيل الرضا لله تعالى وذلك باطل من وجهين :
أحدهما : أنه يلزم تجدد صفة الله تعالى ، والآخر أنه تعالى قبل حصول ذلك الرضا وجب أن يقال : إنه تعالى ما كان راضيا عن موسى لأن تحصيل الحاصل محال ، ولما لم يكن راضيا عنه وجب [ ص: 86 ] أن يكون ساخطا عليه ، وذلك لا يليق بحال الأنبياء عليهم السلام . الجواب : المراد تحصيل دوام الرضا كما أن قوله : ( ثم اهتدى ) المراد دوام الاهتداء .
السؤال الخامس : قوله : ( وعجلت إليك ) يدل على أنه ذهب إلى الميعاد قبل الوقت الذي عينه الله تعالى له ، وإلا لم يكن ذلك تعجيلا ثم ظن أن مخالفة أمر الله تعالى سبب لتحصيل رضاه وذلك لا يليق بأجهل الناس فضلا عن كليم الله تعالى . والجواب : ما ذكرنا أن ذلك كان بالاجتهاد وأخطأ فيه .
السؤال السادس : قوله : ( إليك ) يقتضي لأن " إلى " لانتهاء الغاية . الجواب : توافقنا على أن الله تعالى لم يكن في الجبل فالمراد إلى مكان وعدك . كون الله في الجهة
السؤال السابع : ( وما أعجلك ) سؤال عن سبب العجلة فكان جوابه اللائق به أن يقول : طلبت زيادة رضاك والشوق إلى كلامك ، وأما قوله : ( هم أولاء على أثري ) فغير منطبق عليه كما ترى ، والجواب من وجهين :
الأول : أن سؤال الله تعالى يتضمن شيئين :
أحدهما : إنكار نفس العجلة .
والثاني : السؤال عن سبب التقدم فكان أهم الأمرين عند موسى عليه السلام بالجواب هذا الثاني فقال : لم يوجد مني إلا تقدم يسير لا يحتفل به في العادة وليس بيني وبين من سبقته إلا تقدم يسير يتقدم بمثله الوفد عن قومهم ثم عقبه بجواب السؤال عن العجلة فقال : ( وعجلت إليك رب لترضى ) .
الثاني : أنه عليه السلام لما ورد عليه من هيبة عتاب الله تعالى ما ورد ذهل عن الجواب المنطبق المترتب على حدود الكلام ، واعلم أن في قوله : ( وما أعجلك عن قومك ياموسى ) دلالة على أنه تعالى أمره بحضور الميقات مع قوم مخصوصين ، واختلفوا في المراد بالقوم فقال بعضهم : هم النقباء السبعون الذين قد اختارهم الله تعالى ليخرجوا معه إلى الطور فتقدمهم موسى عليه السلام شوقا إلى ربه . وقال آخرون : القوم جملة بني إسرائيل وهم الذين خلفهم موسى مع هارون وأمره أن يقيم فيهم خليفة له إلى أن يرجع هو مع السبعين فقال : ( هم أولاء على أثري ) يعني بالقرب مني ينتظرونني ، وعن أبي عمرو ويعقوب " إثري " بالكسر ، وعن عيسى بن عمر " أثري " بالضم ، وعنه أيضا " أولى " بالقصر ، والأثر أفصح من الأثر . وأما الأثر فمسموع في فرند السيف وهو بمعنى الأثر غريب .