المنة السابعة : قوله تعالى : ( فلبثت سنين في أهل مدين ثم جئت على قدر ياموسى ) واعلم أن التقدير : ( وفتناك فتونا ) فخرجت خائفا إلى أهل مدين فلبثت سنين فيهم ، أما مدة اللبث فقال أبو مسلم : إنها مشروحة في قوله تعالى : ( ولما توجه تلقاء مدين ) إلى قوله : ( فلما قضى موسى الأجل ) [ القصص : 29 ] وهي إما عشرة وإما ثمان لقوله تعالى : ( على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك ) [ القصص : 27 ] وقال وهب : موسى عليه السلام عند شعيب عليه السلام ثمانيا وعشرين سنة منها عشر سنين مهر امرأته ، والآية تدل على أنه عليه السلام لبث عنده عشر سنين وليس فيها ما ينفي الزيادة على العشر ، واعلم أن قوله : ( لبث فلبثت سنين في أهل مدين ) بعد قوله : ( وفتناك فتونا ) كالدلالة على أن لبثه في مدين من الفتون وكذلك كان ، فإنه عليه السلام تحمل بسبب الفقر والغربة محنا كثيرة ، واحتاج إلى أن آجر نفسه ، أما قوله تعالى : ( ثم جئت على قدر ياموسى ) فلا بد من حذف في الكلام لأنه على قدر أمر من الأمور ، وذكروا في ذلك المحذوف وجوها :
أحدها : أنه سبق في قضائي وقدري أن أجعلك رسولا لي في وقت معين عينته لذلك فما جئت إلا على ذلك القدر لا قبله ولا بعده ، ومنه قوله : ( إنا كل شيء خلقناه بقدر ) [ القمر : 49 ] .
وثانيها : على مقدار من الزمان يوحى فيه إلى الأنبياء ، وهو رأس أربعين سنة .
وثالثها : أن القدر هو الموعد فإن ثبت أنه تقدم هذا الموعد صح حمله عليه ، ولا يمتنع ذلك لاحتمال أن شعيبا عليه السلام أو غيره من الأنبياء كانوا قد عينوا ذلك الموعد ، فإن قيل : كيف ذكر الله تعالى مجيء موسى عليه السلام في ذلك الوقت من جملة مننه عليه ، قلنا : لأنه لولا توفيقه له لما تهيأ شيء من ذلك .