[ ص: 23 ] ( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون )
قوله تعالى :( قل ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون )
اعلم أنه تعالى لما قال :( فسأكتبها للذين يتقون ) ثم بين تعالى أن من ، كونهم متبعين للرسول النبي الأمي ، حقق في هذه الآية رسالته إلى الخلق بالكلية . فقال :( شرط حصول الرحمة لأولئك المتقين قل ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ) وفي هذه الكلمة مسألتان :
المسألة الأولى : هذه الآية تدل على أن محمدا - عليه الصلاة والسلام - مبعوث إلى جميع الخلق . وقال طائفة من اليهود يقال لهم العيسوية وهم أتباع عيسى الأصفهاني : إن محمدا رسول صادق مبعوث إلى العرب . وغير مبعوث إلى بني إسرائيل . ودليلنا على إبطال قولهم هذه الآية ؛ لأن قوله :( ياأيها الناس ) خطاب يتناول كل الناس .
ثم قال :( إني رسول الله إليكم جميعا ) وهذا يقتضي كونه مبعوثا إلى جميع الناس ، وأيضا فما يعلم بالتواتر من دينه أنه كان يدعي أنه مبعوث إلى كل العالمين . فإما أن يقال : إنه كان رسولا حقا أو ما كان كذلك ، فإن كان رسولا حقا ، امتنع الكذب عليه . ووجب الجزم بكونه صادقا في كل ما يدعيه ، فلما ثبت بالتواتر وبظاهر هذه الآية أنه كان يدعي كونه مبعوثا إلى جميع الخلق ، وجب كونه صادقا في هذا القول ، وذلك يبطل قول من يقول : إنه كان مبعوثا إلى العرب فقط ، لا إلى بني إسرائيل .
وأما قول القائل : إنه ما كان رسولا حقا ، فهذا يقتضي القدح في كونه رسولا إلى العرب وإلى غيرهم ، فثبت أن القول بأنه رسول إلى بعض الخلق دون بعض كلام باطل متناقض .
إذا ثبت هذا فنقول : قوله :( قل ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ) من الناس من قال إنه عام دخله التخصيص ، ومنهم من أنكر ذلك ، أما الأولون فقالوا : إنه دخله التخصيص من وجهين :
الأول : أنه رسول إلى الناس إذا كانوا من جملة المكلفين فأما إذا لم يكونوا من جملة المكلفين لم يكن رسولا إليهم ، وذلك لأنه - عليه الصلاة والسلام - قال : ( ) . رفع القلم عن ثلاث : عن الصبي حتى يبلغ ، وعن النائم حتى يستيقظ ، وعن المجنون حتى يفيق
الثاني : أنه رسول الله إلى كل من وصل إليه خبر وجوده وخبر معجزاته وشرائعه ، حتى يمكنه عند ذلك متابعته ، أما لو قدرنا حصول قوم في طرف من أطراف العالم لم يبلغهم خبر وجوده ولا معجزاته ، فهم لا يكونون مكلفين بالإقرار بنبوته ، ومن الناس من أنكر القول بدخول التخصيص في الآية من هذين الوجهين :
أما الأول : فتقريره أن قوله :( ياأيها الناس ) خطاب ، وهذا الخطاب لا يتناول إلا المكلفين ، وإذا كان كذلك فالناس الذين دخلوا تحت قوله :( ياأيها الناس ) ليسوا إلا المكلفين من الناس ، وعلى هذا التقدير فلم [ ص: 24 ] يلزم أن يقال : إن قوله :( ياأيها الناس ) عام دخله التخصيص .
وأما الثاني : فلأنه يبعد جدا أن يقال : حصل في طرف من أطراف الأرض قوم لم يبلغهم خبر ظهور محمد - عليه الصلاة والسلام - ، وخبر معجزاته وشرائعه ، وإذا كان ذلك كالمستبعد لم يكن بنا حاجة إلى التزام هذا التخصيص .
المسألة الثانية : هذه الآية وإن دلت على محمدا - عليه الصلاة والسلام - مبعوث إلى كل الخلق ، فليس فيها دلالة على أن غيره من الأنبياء عليهم السلام ما كان مبعوثا إلى كل الخلق ، بل يجب الرجوع في أنه هل كان في غيره من الأنبياء من كان مبعوثا إلى كل الخلق أم لا ؟ إلى سائر الدلائل . فنقول : تمسك جمع من العلماء في أن أحدا غيره ما كان مبعوثا إلى كل الخلق لقوله - عليه الصلاة والسلام - : ( أن ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، ونصرت على عدوي بالرعب يرعب مني مسيرة شهر ، وأطعمت الغنيمة دون من قبلي . وقيل لي سل تعطه . فاختبأتها شفاعة لأمتي أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي : أرسلت إلى الأحمر والأسود ) .
ولقائل أن يقول : هذا الخبر لا يتناول دلالته على إثبات هذا المطلوب ؛ لأنه لا يبعد أن يكون المراد مجموع هذه الخمسة من خواص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يحصل لأحد سواه ، ولم يلزم من كون هذا المجموع من خواصه كون واحد من آحاد هذا المجموع من خواصه ، وأيضا قيل إن آدم - عليه السلام - كان مبعوثا إلى جميع أولاده ، وعلى هذا التقدير فقد كان مبعوثا إلى جميع الناس ، وإن نوحا - عليه السلام - لما خرج من السفينة ، كان مبعوثا إلى الذين كانوا معه ، مع أن جميع الناس في ذلك الزمان ما كان إلا ذلك القوم .