قوله تعالى : ( فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين ) .
اعلم أن قوله : ( فأنجيناه وأهله ) يحتمل أن يكون ، ويحتمل أن يكون المراد المتصلين به بالنسب . قال المراد من أهله أنصاره وأتباعه الذين قبلوا دينه : المراد ابنتاه . وقوله : ( ابن عباس إلا امرأته ) أي زوجته ، يقال : امرأة الرجل بمعنى زوجته ، ويقال : رجل المرأة ، بمعنى زوجها ؛ لأن الزوج بمنزلة المالك لها ، وليست المرأة بمنزلة المالك للرجل ، فإذا أضيفت إلى الرجل بالاسم العام عرفت الزوجية وملك النكاح ، والرجل إذا أضيف إلى المرأة بالاسم العام تعرف الزوجية . وقوله : ( كانت من الغابرين ) يقال : غبر الشيء [ ص: 140 ] يغبر غبورا ، إذا مكث وبقي . قال الهذلي :
فغبرت بعدهم بعيش ناصب وأخال أني لاحق مستتبع
يعني بقيت ، فمعنى الآية أنها كانت من الغابرين عن النجاة . أي من الذين بقوا عنها ولم يدركوا النجاة ، يقال : فلان غبر هذا الأمر ، أي لم يدركه ، ويجوز أن يكون المراد أنها لم تسر مع لوط وأهله ، بل تخلفت عنه وبقيت في ذلك الموضع الذي هو موضع العذاب .
ثم قال : ( وأمطرنا عليهم مطرا ) يقال : مطرت السماء وأمطرت ، والأول أفصح ، وأمطرهم مطرا وعذابا ، وكذلك أمطر عليهم ، والمراد أنه تعالى بدليل أنه تعالى قال في آية أخرى : ( أمطر عليهم حجارة من السماء وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل ) [ الحجر : 74 ] .
ثم قال : ( فانظر كيف كان عاقبة المجرمين ) وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : ظاهر هذا اللفظ وإن كان مخصوصا بالرسول عليه السلام إلا أن المراد سائر المكلفين ؛ ليعتبروا بذلك فينزجروا .
فإن قيل : كيف يعتبرون بذلك وقد أمنوا من عذاب الاستئصال ؟
قلنا : إن أعظم وأدون من ذلك ، فعند سماع هذه القصة يذكرون عذاب الآخرة مؤنبة على عذاب الاستئصال ، ويكون ذلك زجرا وتحذيرا . عذاب الآخرة
المسألة الثانية : رضي الله عنه أن اللواطة توجب الحد الشافعي ، وقال مذهب : لا توجبه ، أبو حنيفة رحمه الله أن يحتج بهذه الآية من وجوه : وللشافعي
الأول : أنه لوط عليه السلام رجم اللوطي ، والأصل في الثابت البقاء ، إلا أن يظهر طريان الناسخ ، ولم يظهر في شرع ثبت في شريعة محمد عليه الصلاة والسلام ناسخ لهذا الحكم ، فوجب القول ببقائه .
الثاني قوله تعالى : ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) [ الأنعام : 90 ] قد بينا في تفسير هذه الآية أنها تدل على أن شرع من قبلنا حجة علينا .
والثالث : أنه تعالى قال : ( فانظر كيف كان عاقبة المجرمين ) والظاهر أن المراد من هذه العاقبة ما سبق ذكره وهو إنزال الحجر عليهم ، ومن المجرمين الذين يعملون عمل قوم لوط ؛ لأن ذلك هو المذكور السابق فينصرف إليه ، فصار تقدير الآية : فانظر كيف أمطر الله الحجارة على من يعمل ذلك العمل المخصوص .
وذكر الحكم عقيب الوصف المناسب يدل على كون ذلك الوصف علة لذلك الحكم ، فهذه الآية تقتضي كون هذا الجرم المخصوص علة لحصول هذا الزاجر المخصوص ، وإذا ظهرت العلة وجب أن يحصل هذا الحكم أينما حصلت هذه العلة .