قوله تعالى : ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون )
في الآية مسائل :
المسألة الأولى : ابن عامر ( وأن هذا ) بفتح الألف وسكون النون ، قرأ حمزة والكسائي ( وإن ) بكسر الألف وتشديد النون ، أما قراءة وقرأ ابن عامر فأصلها ( وإنه هذا صراطي ) والهاء ضمير الشأن والحديث ، وعلى هذا الشرط تخفف . قال الأعشى :
في فتية كسيوف الهند قد علموا أن هالك كل من يحفى وينتعل
أي : قد علموا أنه هالك ، وأما كسر (إن) فالتقدير ( أتل ما حرم ) وأتل أن هذا صراطي بمعنى أقول ، وقيل على الاستئناف . وأما فتح أن ، فقال الفراء : فتح ( أن ) من وقوع أتل عليها يعني وأتل عليكم ( أن هذا صراطي مستقيما ) قال : وإن شئت جعلتها خفضا ، والتقدير : ذلكم وصاكم به وبأن هذا صراطي .
قال أبو علي : من فتح ( أن ) فقياس قول أنه حملها على قوله : ( فاتبعوه ) ، والتقدير : لأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه كقوله : ( سيبويه وإن هذه أمتكم أمة واحدة ) [المؤمنون : 52] وقال : لأن هذه أمتكم ، وقال في قوله : ( سيبويه وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ) [الجن : 18] والمعنى : ولأن المساجد لله .
المسألة الثانية : القراء أجمعوا على سكون الياء من ( صراطي ) غير ابن عامر فإنه فتحها ، وقرأ ابن كثير وابن عامر ( سراطي ) بالسين ، وحمزة بين الصاد والزاي ، والباقون بالصاد صافية ، وكلها لغات ، قال صاحب "الكشاف" : قرأ ( وهذا صراطي ) وفي مصحف الأعمش عبد الله : ( وهذا صراط ربكم ) وفي مصحف أبي ( وهذا صراط ربك ) .
[ ص: 4 ] المسألة الثالثة : أنه تعالى لما بين في الآيتين المتقدمتين ما وصى به أجمل في آخره إجمالا يقتضي دخول ما تقدم فيه ، ودخول سائر الشريعة فيه فقال : ( وأن هذا صراطي مستقيما ) فدخل فيه كل ما بينه الرسول -صلى الله عليه وسلم- من دين الإسلام وهو ، فاتبعوا جملته وتفصيله ولا تعدلوا عنه فتقعوا في الضلالات . المنهج القويم والصراط المستقيم
وعن ابن مسعود ، وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ) ، وعن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خط خطا ، ثم قال : هذا سبيل الرشد ، ثم خط عن يمينه وعن شماله خطوطا ، ثم قال : هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ؟ ثم تلا هذه الآية : ( : هذه الآيات محكمات لم ينسخهن شيء من جميع الكتب ، من عمل بهن دخل الجنة ، ومن تركهن دخل النار . ابن عباس
المسألة الرابعة : هذه الآية تدل على أن ، ولا يلزم منه أن يقال : إن كل ما كان واحدا فهو حق ، فإذا كان الحق واحدا كان كل ما سواه باطلا ، وما سوى الحق أشياء كثيرة ، فيجب الحكم بأن كل كثير باطل ، ولكن لا يلزم أن يكون كل باطل كثيرا بعين ما قررناه في القضية الأولى . كل ما كان حقا فهو واحد