أما قوله تعالى : ( وآتوا حقه يوم حصاده ) ففيه أبحاث :
البحث الأول : قرأ ابن عامر وأبو عمرو وعاصم " حصاده " بفتح الحاء والباقون بكسر الحاء قال [ ص: 175 ] الواحدي : قال جميع أهل اللغة يقال : حصاد وحصاد ، وجداد وجداد ، وقطاف وقطاف ، وجذاذ وجذاذ ، وقال : جاءوا بالمصادر حين أرادوا انتهاء الزمان على مثال فعال ، وربما قالوا فيه فعال . سيبويه
البحث الثاني : في تفسير قوله : ( وآتوا حقه ) ثلاثة أقوال :
القول الأول : قال في رواية ابن عباس عطاء يريد به ، وهو قول العشر فيما سقت السماء ، ونصف العشر فيما سقي بالدواليب سعيد بن المسيب والحسن وطاوس والضحاك .
فإن قالوا : وأيضا هذه السورة مكية ، وإيجاب الزكاة مدني . كيف يؤدي الزكاة يوم الحصاد والحب في السنبل ؟
قلنا : لما تعذر إجراء قوله : ( وآتوا حقه ) على ظاهره بالدليل الذي ذكرتم . لا جرم حملناه على تعلق حق الزكاة به في ذلك الوقت ، والمعنى : اعزموا على إيتاء الحق يوم الحصاد ولا تؤخروه عن أول وقت يمكن فيه الإيتاء .
والجواب عن السؤال الثاني : لا نسلم أن الزكاة ما كانت واجبة في مكة ، بل لا نزاع أن الآية المدنية وردت بإيجابها ، إلا أن ذلك لا يمنع أنها كانت واجبة بمكة . وقيل أيضا : هذه الآية مدنية .
والقول الثاني : أن هذا حق في المال سوى الزكاة . وقال : إذا حصدت فحضرت المساكين فاطرح لهم منه ، وإذا درسته وذريته فاطرح لهم منه ، وإذا كربلته فاطرح لهم منه ، وإذا عرفت كيله فاعزل زكاته . مجاهد
والقول الثالث : أن هذا كان قبل وجوب الزكاة ، فلما فرضت الزكاة نسخ هذا ، وهذا قول ، والأصح هو القول الأول ، والدليل عليه أن قوله تعالى : ( سعيد بن جبير وآتوا حقه ) إنما يحسن ذكره لو كان ذلك الحق معلوما قبل ورود هذه الآية لئلا تبقى هذه الآية مجملة . وقد قال عليه الصلاة والسلام : " " فوجب أن يكون المراد بهذا الحق حق الزكاة . ليس في المال حق سوى الزكاة
البحث الثالث : قوله تعالى : ( وآتوا حقه يوم حصاده ) بعد ذكر الأنواع الخمسة ، وهو العنب والنخل ، والزيتون ، والرمان ؛ يدل على وجوب الزكاة في الكل ، وهذا يقتضي وجوب ، كما كان يقوله الزكاة في الثمار رحمه الله . أبو حنيفة
فإن قالوا : لفظ الحصاد مخصوص بالزرع . فنقول : لفظ الحصد في أصل اللغة غير مخصوص بالزرع ، والدليل عليه ، أن الحصد في اللغة عبارة عن القطع ، وذلك يتناول الكل وأيضا الضمير في قوله " حصاده " يجب عوده إلى أقرب المذكورات وذلك هو الزيتون والرمان ، فوجب أن يكون الضمير عائدا إليه .
البحث الرابع : قال رحمه الله : العشر واجب في القليل والكثير . وقال الأكثرون إنه لا يجب إلا إذا بلغ خمسة أوسق . واحتج أبو حنيفة رحمه الله بهذه الآية ، فقال : قوله : ( أبو حنيفة وآتوا حقه يوم حصاده ) يقتضي ثبوت حق في القليل والكثير ، فإذا كان ذلك الحق هو الزكاة وجب القول بوجوب الزكاة في القليل والكثير .