( ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون )
فيه مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أنه تعالى لما حكى عنهم في الآية الأولى إنكارهم للحشر والنشر والبعث والقيامة ، بين في هذه الآية ، فقال : ( كيفية حالهم في القيامة ولو ترى إذ وقفوا على ربهم ) واعلم أن جماعة من المشبهة تمسكوا بهذه الآية ، وقالوا : ظاهر هذه الآية يدل على أن أهل القيامة يقفون عند الله وبالقرب منه ، وذلك يدل على كونه تعالى بحيث يحضر في مكان تارة ويغيب عنه تارة أخرى .
واعلم أن هذا خطأ وذلك لأن ظاهر الآية ، يدل على كونهم واقفين على الله تعالى ، كما يقف أحدنا على الأرض ، وذلك يدل على كونه مستعليا على ذات الله تعالى وأنه بالاتفاق باطل ، فوجب المصير إلى التأويل وهو من وجوه :
التأويل الأول : هو أن يكون المراد ( ولو ترى إذ وقفوا على ) ما وعدهم ربهم من عذاب الكافرين وثواب المؤمنين وعلى ما أخبرهم به من أمر الآخرة .
التأويل الثاني : أن المراد من هذا الوقوف المعرفة ، كما يقول الرجل لغيره وقفت على كلامك أي عرفته .
التأويل الثالث : أن يكون المراد أنهم وقفوا لأجل السؤال فخرج الكلام مخرج ما جرت به العادة ، [ ص: 162 ] من وقوف العبد بين يدي سيده والمقصود منه التعبير عن المقصود بالألفاظ الفصيحة البليغة .
المسألة الثانية : المقصود من هذه الآية أنه تعالى حكى عنهم في الآية الأولى ، أنهم ينكرون القيامة والبعث في الدنيا ، ثم بين أنهم في الآخرة يقرون به فيكون المعنى أن حالهم في هذا الإنكار سيئول إلى الإقرار وذلك لأنهم شاهدوا القيامة والثواب والعقاب ، قال الله تعالى : ( أليس هذا بالحق ) .
فإن قيل : هذا الكلام يدل على أنه تعالى يقول لهم أليس هذا بالحق ؟ وهو كالمناقض لقوله تعالى : ( ولا يكلمهم الله ) [ البقرة : 174 ] والجواب أن يحمل قوله : ( ولا يكلمهم ) أي لا يكلمهم بالكلام الطيب النافع ، وعلى هذا التقدير يزول التناقض ثم إنه تعالى بين أنه إذا قال لهم أليس هذا بالحق ؟ قالوا : بلى وربنا . المقصود أنهم يعترفون بكونه حقا مع القسم واليمين . ثم إنه تعالى يقول لهم : فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ، وخص لفظ الذوق ؛ لأنهم في كل حال يجدونه وجدان الذائق في قوة الإحساس ، وقوله : ( بما كنتم تكفرون ) أي بسبب كفركم . واعلم أنه تعالى ما ذكر هذا الكلام احتجاجا على صحة القول بالحشر والنشر ؛ لأن ذلك الدليل قد تقدم ذكره في أول السورة في قوله : ( هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا ) [ الأنعام : 2 ] على ما قررناه وفسرناه ، بل المقصود من هذه الآية الردع والزجر عن هذا المذهب والقول .