[ ص: 106 ] المسألة الأولى : قوله : ( إذ جئتهم بالبينات ) يحتمل أن يكون المراد منه هذه البينات التي تقدم ذكرها ، وعلى هذا التقدير فالألف واللام للعهد ، ويحتمل أن يكون المراد منه جنس البينات .
المسألة الثانية : روي أنه عليه الصلاة والسلام لما أظهر هذه المعجزات العجيبة اليهود قتله فخلصه الله تعالى منهم حيث رفعه إلى السماء . قصد
ثم قال تعالى : ( فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين ) وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : قرأ حمزة والكسائي ( ساحر ) بالألف وكذلك في يونس وهود والصف ، وقرأ ابن عامر وعاصم في يونس بالألف فقط والباقون ( سحر ) فمن قرأ ( ساحر ) أشار إلى الرجل ومن قرأ ( سحر ) أشار به إلى ما جاء به ، وكلاهما حسن لأن كل واحد منهما قد تقدم ذكره . قال الواحدي رحمه الله : والاختيار ( سحر ) لجواز وقوعه على الحدث والشخص ، أما وقوعه على الحدث فظاهر وأما وقوعه على الشخص فتقول : هذا سحر ، وتريد به : ذو سحر ، كما قال تعالى : ( ولكن البر من آمن ) [البقرة : 177] أي ذا البر ، قال الشاعر :
فإنما هي إقبال وإدبار
المسألة الثانية : فإن قيل : عيسى عليه السلام ، وقول الكفار في حقه : ( إنه تعالى شرع هاهنا في تعديد نعمه على إن هذا إلا سحر مبين ) ليس من النعم ، فكيف ذكره هاهنا ؟
والجواب : أن من الأمثال المشهورة أن كل ذي نعمة محسود ، عيسى عليه السلام بهذا الكلام يدل على أن نعم الله في حقه كانت عظيمة ، فحسن ذكره عند تعديد النعم للوجه الذي ذكرناه . وطعن الكفار في
وثامنها : قوله تعالى : ( وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي ) وقد تقدم ، فمن قال : إنهم كانوا أنبياء ، قال : ذلك الوحي هو الوحي الذي يوحى إلى الأنبياء ، ومن قال : إنهم ما كانوا أنبياء ، قال : المراد بذلك الوحي والإلهام والإلقاء في القلب ، كما في قوله تعالى : ( تفسير الوحي وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه ) وقوله : ( وأوحى ربك إلى النحل ) [النحل : 68] وإنما ذكر هذا في معرض تعديد النعم لأن ، وذكر تعالى أنه لما ألقى ذلك الوحي في قلوبهم آمنوا وأسلموا ، وإنما قدم ذكر الإيمان على الإسلام لأن صيرورة الإنسان مقبول القول عند الناس محبوبا في قلوبهم من أعظم نعم الله على الإنسان ، الإيمان صفة القلب ، يعني آمنوا بقلوبهم وانقادوا بظواهرهم . والإسلام عبارة عن الانقياد والخضوع في الظاهر
فإن قيل : إنه تعالى قال في أول الآية : ( اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك ) ثم إن بعيسى عليه السلام ، وليس لأمه بشيء منها تعلق . جميع ما ذكره تعالى من النعم مختص
قلنا : كل ما حصل للولد من النعم الجليلة والدرجات العالية فهو حاصل على سبيل الضمن والتبع للأم ; ولذلك قال تعالى : ( وجعلنا ابن مريم وأمه آية ) [ المؤمنون : 50 ] فجعلهما معا آية واحدة لشدة اتصال كل واحد منهما بالآخر ، وروي أنه تعالى لما قال لعيسى : ( اذكر نعمتي عليك ) كان يلبس الشعر ويأكل الشجر ولا يدخر شيئا لغد ويقول : مع كل يوم رزقه ، ومن لم يكن له بيت فيخرب ، ولا ولد فيموت ، أينما أمسى بات .