[ ص: 74 ] ثم قال تعالى : ( ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ عاصم وحمزة والكسائي ( فجزاء ) بالتنوين و (مثل) بالرفع ; والمعنى فعليه جزاء مماثل للمقتول من الصيد ، فمثل مرفوع لأنه صفة لقوله : ( فجزاء ) قال : ولا ينبغي إضافة جزاء إلى المثل ، ألا ترى أنه ليس عليه جزاء مثل ما قتل في الحقيقة ، إنما عليه جزاء المقتول لا جزاء مثل المقتول الذي لم يقتله ، وقوله تعالى : ( من النعم ) يجوز أن يكون صفة للنكرة التي هي جزاء ; والمعنى فجزاء من النعم مثل ما قتل ، وأما سائر القراء فهم قرأوا ( فجزاء مثل ) على إضافة الجزاء إلى المثل وقالوا : إنه وإن كان الواجب عليه جزاء المقتول لا جزاء مثله فإنهم يقولون : أنا أكرم مثلك ، يريدون أنا أكرمك ، ونظيره قوله : ( ليس كمثله شيء ) [الشورى : 11] والتقدير : ليس هو كشيء ، وقال : ( أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ) [الأنعام : 122] والتقدير : كمن هو في الظلمات وفيه وجه آخر وهو أن يكون المعنى فجزاء مثل ما قتل من النعم كقولك : خاتم فضة ؛ أي خاتم من فضة .
المسألة الثانية : قال : سعيد بن جبير لا يلزمه شيء ، وهو قول المحرم إذا قتل الصيد خطأ داود ، وقال جمهور الفقهاء : يلزمه الضمان سواء قتل عمدا أو خطأ ، حجة داود أن قوله تعالى : ( ومن قتله منكم متعمدا ) مذكور في معرض الشرط ، وعند عدم الشرط يلزم عدم المشروط ، فوجب أن لا يجب الجزاء عند فقدان العمدية ، قال : والذي يؤكد هذا أنه تعالى قال في آخر الآية : ( ومن عاد فينتقم الله منه ) والانتقام إنما يكون في العمد دون الخطأ ، وقوله : ( ومن عاد ) المراد منه ومن عاد إلى ما تقدم ذكره ، وهذا يقتضي أن الذي تقدم ذكره من القتل الموجب للجزاء هو العمد لا الخطأ ، وحجة الجمهور قوله تعالى : ( وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما ) ولما كان ذلك حراما بالإحرام صار فعله محظورا بالإحرام فلا يسقط حكمه بالخطأ والجهل ، كما في حلق الرأس وكما في ضمان مال المسلم ، فإنه لما ثبتت الحرمة لحق المالك لم يتبدل ذلك بكونه خطأ أو عمدا فكذا هاهنا ، وأيضا يحتجون بقوله عليه السلام : ، وقول الصحابة : في الظبي شاة ، وليس فيه ذكر العمد . في الضبع كبش إذا قتله المحرم
أجاب داود بأن نص القرآن خير من خبر الواحد وقول الصحابي والقياس .