( يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم )
( ياأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم )
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ ابن عامر ونافع ( يرتدد ) بدالين ، والباقون بدال واحدة مشددة ، والأول : لإظهار التضعيف ، والثاني : للإدغام .
قال الزجاج : إظهار الدالين هو الأصل ; لأن الثاني من المضاعف إذا سكن ظهر التضعيف ، نحو قوله : ( إن يمسسكم قرح ) [آل عمران : 140] ويجوز في اللغة : إن يمسكم .
المسألة الثانية : روى صاحب الكشاف أنه كان إحدى عشرة فرقة : ثلاث في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم : أهل الردة
بنو مدلج : ورئيسهم ذو الحمار وهو الأسود العنسي ، وكان كاهنا ادعى النبوة في اليمن واستولى على بلادها ، وأخرج عمال رسول الله ، فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معاذ بن جبل وسادات اليمن ، فأهلكه الله على يد فيروز الديلمي بيته فقتله ، وأخبر رسول الله بقتله ليلة قتل ، فسر المسلمون ، وقبض رسول الله من الغد وأتي خبره في آخر شهر ربيع الأول .
وبنو حنيفة قوم مسيلمة ، ادعى النبوة وكتب إلى رسول الله : من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله أما بعد : فإن الأرض نصفها لي ونصفها لك ، فأجابه الرسول : من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب : أما بعد : فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ، فحاربه أبو بكر بجنود المسلمين ، وقتل [ ص: 18 ] على يدي وحشي قاتل حمزة ، وكان يقول : قتلت خير الناس في الجاهلية وشر الناس في الإسلام ، أراد في جاهليتي وفي إسلامي .
وبنو أسد قوم : ادعى النبوة ، فبعث إليه رسول الله طليحة بن خويلد خالدا ، فانهزم بعد القتال إلى الشام ثم أسلم وحسن إسلامه .
وسبع في عهد أبي بكر : فزارة قوم عيينة بن حصن ، وغطفان قوم قرة بن سلمة القشيري ، وبنو سليم قوم الفجاءة بن عبد ياليل ، وبنو يربوع قوم مالك بن نويرة ، وبعض بني تميم قوم سجاح بنت المنذر التي ادعت النبوة وزوجت نفسها من مسيلمة الكذاب ، وكندة قوم ، الأشعث بن قيس وبنو بكر بن وائل بالبحرين قوم الحطم بن زيد ، وكفى الله أمرهم على يد أبي بكر ، وفرقة واحدة في عهد عمر : غسان قوم ، وذلك أن جبلة بن الأيهم جبلة أسلم على يد عمر ، وكان يطوف ذات يوم جارا رداءه ، فوطئ رجل طرف ردائه فغضب فلطمه ، فتظلم إلى عمر فقضى له بالقصاص عليه ، إلا أن يعفو عنه ، فقال : أنا أشتريها بألف ، فأبى الرجل ، فلم يزل يزيد في الفداء إلى أن بلغ عشرة آلاف ، فأبى الرجل إلا القصاص ، فاستنظر عمر فأنظره عمر ، فهرب إلى الروم وارتد .
المسألة الثالثة : معنى الآية : يا أيها الذين آمنوا فليعلم أن الله تعالى يأتي بأقوام آخرين ينصرون هذا الدين على أبلغ الوجوه . من يتول منكم الكفار فيرتد عن دينه
وقال الحسن رحمه الله : علم الله أن قوما يرجعون عن الإسلام بعد موت نبيهم ، فأخبرهم أنه سيأتي بقوم يحبهم ويحبونه ، وعلى هذا التقدير تكون هذه الآية إخبارا عن الغيب ، وقد وقع المخبر على وفقه فيكون معجزا .
المسألة الرابعة : اختلفوا في أن أولئك القوم من هم ؟ فقال ، علي بن أبي طالب والحسن وقتادة والضحاك : هم وابن جريج أبو بكر وأصحابه ; لأنهم هم الذين قاتلوا أهل الردة .
وقالت رضي الله عنها : مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتدت العرب ، واشتهر النفاق ، ونزل بأبي ما لو نزل بالجبال الراسيات لهاضها . عائشة
وقال السدي : نزلت الآية في الأنصار ; لأنهم هم الذين نصروا الرسول وأعانوه على إظهار الدين .
وقال مجاهد : نزلت في أهل اليمن ، وروي مرفوعا ، وقال : هم قوم هذا أبي موسى الأشعري ، وقال آخرون : هم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية أشار إلى الفرس ; لأنه روي سلمان ، وقال : هذا وذووه ، ثم قال : لو كان الدين معلقا بالثريا لناله رجال من أبناء فارس . أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن هذه الآية ضرب بيده على عاتق
وقال قوم : إنها نزلت في علي عليه السلام ، ويدل عليه وجهان :
الأول : علي عليه السلام يوم خيبر قال : لأدفعن الراية غدا إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله دفع الراية إلى ، وهذا هو الصفة المذكورة في الآية . أنه عليه السلام لما
والوجه الثاني : أنه تعالى ذكر بعد هذه الآية قوله : ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) وهذه الآية في حق علي ، فكان الأولى جعل ما قبلها أيضا في حقه ، فهذه جملة الأقوال في هذه الآية .