[ ص: 12 ] ثم قال تعالى : ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : : لفظ ( الشرعة ) : في اشتقاقه وجهان
الأول : معنى شرع : بين وأوضح .
قال : لفظ الشرع مصدر : شرعت الإهاب ، إذا شققته وسلخته . ابن السكيت
الثاني : شرع مأخوذ من الشروع في الشيء وهو الدخول فيه ، والشريعة في كلام العرب المشرعة التي يشرعها الناس فيشربون منها ، فالشريعة فعيلة بمعنى : المفعولة ، وهي الأشياء التي أوجب الله تعالى على المكلفين أن يشرعوا فيها ، وأما المنهاج فهو الطريق الواضح ، يقال : نهجت لك الطريق وأنهجت لغتان .
المسألة الثانية : احتج أكثر العلماء بهذه الآية على أن لا يلزمنا ; لأن قوله : ( شرع من قبلنا لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ) يدل على أنه يجب أن يكون كل رسول مستقلا بشريعة خاصة ، وذلك ينفي كون أمة أحد الرسل مكلفة بشريعة الرسول الآخر .
المسألة الثالثة : وردت آيات دالة على عدم ، وآيات دالة على حصول التباين فيها . التباين في طريقة الأنبياء والرسل
أما النوع الأول : فقوله : ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا ) [الشورى : 13] إلى قوله : ( أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ) [الشورى : 13] ، وقال : ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) [الأنعام : 90] .
وأما النوع الثاني : فهو هذه الآية ، وطريق الجمع أن نقول : النوع الأول من الآيات مصروف إلى ما يتعلق بأصول الدين ، والنوع الثاني مصروف إلى ما يتعلق بفروع الدين .
المسألة الرابعة : الخطاب في قوله : ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ) خطاب للأمم الثلاث : أمة موسى ، وأمة عيسى ، وأمة محمد عليهم السلام ، بدليل أن ذكر هؤلاء الثلاثة قد تقدم في قوله : ( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور ) ، ثم قال : ( وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم ) ، ثم قال : ( وأنزلنا إليك الكتاب ) .
ثم قال : ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ) يعني شرائع مختلفة : للتوراة شريعة ، وللإنجيل شريعة ، وللقرآن شريعة .
المسألة الخامسة : قال بعضهم : الشرعة والمنهاج عبارتان عن معنى واحد ، والتكرير للتأكيد والمراد بهما الدين ، وقال آخرون : بينهما فرق ، فالشرعة عبارة عن مطلق الشريعة ، والطريقة عبارة عن مكارم الشريعة ، وهي المراد بالمنهاج ، فالشريعة أول ، والطريقة آخر ، وقال : الشريعة ابتداء الطريقة ، والطريقة المنهاج المستمر ، وهذا تقرير ما قلناه ، والله أعلم بأسرار كلامه . المبرد