[ ص: 7 ] ( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص )
ثم قال تعالى : ( والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف ) .
والمعنى أنه تعالى بين في هذه الآية أيضا أنه تعالى بين في التوراة أن النفس بالنفس ، وهؤلاء اليهود غيروا هذا الحكم أيضا ، ففضلوا بني النضير على بني قريظة ، وخصصوا إيجاب القود ببني قريظة دون بني النضير ، فهذا هو وجه النظم من الآية ، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : قرأ الكسائي : " العين والأنف والأذن والسن والجروح " كلها بالرفع ، وفيه وجوه :
أحدها : العطف على محل ( أن النفس ) لأن المعنى : وكتبنا عليهم فيها النفس بالنفس ; لأن معنى كتبنا قلنا .
وثانيها : أن الكتابة تقع على مثل هذه الجمل تقول : كتبت ( الحمد لله ) وقرأت ( سورة أنزلناها ) .
وثالثها : أنها ترتفع على الاستئناف ، وتقديره : أن النفس مقتولة بالنفس والعين مفقوءة بالعين ، ونظيره قوله تعالى في هذه السورة ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى ) وقرأ ابن كثير ، وابن عامر ، وأبو عمرو بنصب الكل سوى ( الجروح ) فإنه بالرفع ، فالعين والأنف والأذن نصب عطفا على النفس ، ثم ( الجروح ) مبتدأ ، و ( قصاص ) خبره ، وقرأ نافع وعاصم وحمزة كلها بالنصب عطفا لبعض ذلك على بعض ، وخبر الجميع قصاص ، وقرأ نافع ( الأذن ) بسكون الذال حيث وقع ، والباقون بالضم مثقلة ، وهما لغتان .
المسألة الثانية : قال : يريد وفرضنا عليهم في التوراة أن النفس بالنفس ، يريد من ابن عباس ، إنما هو العفو أو القصاص ، وعن قتل نفسا بغير قود قيد منه ، ولم يجعل الله له دية في نفس ولا جرح : كانوا لا يقتلون الرجل بالمرأة فنزلت هذه الآية ، وأما الأطراف فكل شخصين جرى القصاص بينهما في النفس جرى القصاص بينهما في جميع الأطراف إذا تماثلا في السلامة ، وإذا امتنع القصاص في النفس امتنع أيضا في الأطراف ، ولما ذكر الله تعالى بعض الأعضاء عمم الحكم في كلها فقال ( ابن عباس والجروح قصاص ) وهو كل ما يمكن أن يقتص منه ، مثل الشفتين والذكر والأنثيين والأنف والقدمين واليدين وغيرها ، فأما ففيه أرش وحكومة . ما لا يمكن القصاص فيه من رض في لحم ، أو كسر في عظم ، أو جراحة في بطن يخاف منه التلف
واعلم أن هذه الآية دالة على أن هذا كان شرعا في التوراة ، فمن قال : شرع من قبلنا يلزمنا إلا ما نسخ بالتفصيل قال : هذه الآية حجة في شرعنا ، ومن أنكر ذلك قال : إنها ليست بحجة علينا .
المسألة الثالثة : " القصاص " ههنا مصدر يراد به المفعول ، أي والجروح متقاصة بعضها ببعض .