ثم قال تعالى : ( والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : ذهب أكثر الفقهاء إلى أنه يحل اليهود والنصارى وتمسكوا فيه بهذه الآية ، وكان التزوج بالذمية من ابن عمر - رضي الله عنهما - لا يرى ذلك ويحتج بقوله : ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ) [البقرة : 221] ويقول : لا أعلم شركا أعظم من قولها : إن ربها عيسى ، ومن قال بهذا القول أجابوا عن التمسك بقوله تعالى : ( والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب ) بوجوه :
الأول : أن المراد الذين آمنوا منهم ، فإنه كان يحتمل أن يخطر ببال بعضهم أن فبين تعالى بهذه الآية جواز ذلك . اليهودية إذا آمنت فهل يجوز للمسلم أن يتزوج بها أم لا ؟
والثاني : روي عن عطاء أنه قال : إنما رخص الله تعالى في التزوج بالكتابية في ذلك الوقت لأنه كان في المسلمات قلة ، وأما الآن ففيهن الكثرة العظيمة ، فزالت الحاجة فلا جرم زالت الرخصة .
والثالث : الآيات الدالة على وجوب المباعدة عن الكفار ، كقوله : ( لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ) [الممتحنة : 1] وقوله : ( لا تتخذوا بطانة من دونكم ) [آل عمران : 118] ولأن عند حصول الزوجية ربما قويت المحبة ويصير ذلك سببا لميل الزوج إلى دينها ، وعند حدوث الولد فربما مال الولد إلى دينها ، وكل ذلك إلقاء للنفس في الضرر من غير حاجة .
الرابع : قوله تعالى في خاتمة هذه الآية : ( ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين ) وهذا من أعظم المنفرات عن التزوج بالكافرة ، فلو كان المراد بقوله تعالى : ( والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) إباحة التزوج بالكتابية لكان ذكر هذه الآية عقيبها كالتناقض وهو غير جائز .
المسألة الثانية : إن قلنا : المراد بالمحصنات : الحرائر ، لم تدخل الأمة الكتابية تحت الآية ، وإن قلنا : المراد بالمحصنات : العفائف ، دخلت ، وعلى هذا البحث وقع الخلاف بين الشافعي فعند [ ص: 117 ] وأبي حنيفة لا يجوز الشافعي . قال : لأنه اجتمع في حقها نوعان من النقصان : الكفر والرق ، وعند التزوج بالأمة الكتابية - رحمه الله - يجوز ، وتمسك بهذه الآية بناء على أن المراد بالمحصنات العفائف وقد سبق الكلام فيه . أبي حنيفة
المسألة الثالثة : قال سعيد بن المسيب والحسن ( والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب ) يدخل فيه الذميات والحربيات ، فيجوز التزوج بكلهن ، وأكثر الفقهاء على أن ذلك مخصوص بالذمية فقط ، وهذا قول ، فإنه قال : من نساء أهل الكتاب من يحل لنا ، ومنهن من لا يحل لنا ، وقرأ ( ابن عباس قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ) [التوبة : 29] إلى قوله : ( حتى يعطوا الجزية عن يد ) [التوبة : 29] فمن أعطى الجزية حل ، ومن لم يعط لم يحل .
المسألة الرابعة : اتفقوا على أن ، وروي عن المجوس قد سن بهم سنة أهل الكتاب في أخذ الجزية منهم دون أكل ذبائحهم ونكاح نسائهم ابن المسيب أنه قال : إذا كان فلا بأس ، وقال المسلم مريضا فأمر المجوسي أن يذكر الله ويذبح : وإن أمره بذلك في الصحة فلا بأس . أبو ثور
المسألة الخامسة : قال الكثير من الفقهاء : إنما يحل التي دانت بالتوراة والإنجيل قبل نزول القرآن ، قالوا : والدليل عليه قوله : ( نكاح الكتابية والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) فقوله : ( من قبلكم ) يدل على أن من دان الكتاب بعد نزول الفرقان خرج عن حكم الكتاب .
ثم قال تعالى : ( إذا آتيتموهن أجورهن ) وتقييد التحليل بإيتاء الأجور يدل على تأكد وجوبها وأن من كان في صورة الزاني ، وتسمية المهر بالأجر يدل على أن تزوج امرأة وعزم على أن لا يعطيها صداقها ، كما أن أقل الأجر لا يتقدر في الإجارات . الصداق لا يتقدر
ثم قال تعالى : ( محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ) قال : الشعبي : السفاح وهو الزنا على سبيل الإعلان ، واتخاذ الخدن وهو الزنا في السر ، والله تعالى حرمهما في هذه الآية وأباح الزنا ضربان وهو التزوج . التمتع بالمرأة على جهة الإحصان