ثم قال تعالى : فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله ) أي فعليه ذلك بدلا عن الرقبة إذا كان فقيرا ، وقال ( مسروق إنه بدل عن مجموع الكفارة والدية ، والتتابع واجب حتى لو أفطر يوما وجب الاستئناف إلا أن يكون الفطر بحيض أو نفاس ، وقوله : ( توبة من الله ) انتصب بمعنى صيام ما تقدم ، كأنه قيل : اعملوا بما أوجب الله عليكم لأجل التوبة من الله ، أي ليقبل الله توبتكم ، وهو كما يقال : فعلت كذا حذر الشر .
توبة من الله ) ؟ . فإن قيل : قتل الخطأ لا يكون معصية ، فما معنى قوله : (
قلنا فيه وجوه :
الأول : أن فيه نوعين من التقصير ، فإن الظاهر أنه لو بالغ في الاحتياط لم يصدر عنه ذلك الفعل ، ألا ترى أن من قتل مسلما على ظن أنه كافر حربي ، فلو أنه بالغ في الاحتياط والاستكشاف فالظاهر أنه لا يقع فيه ، ومن رمى إلى صيد فأخطأ وأصاب إنسانا فلو احتاط فلا يرمي إلا في موضع يقطع بأنه ليس هناك إنسان فإنه لا يقع في تلك الواقعة ، فقوله : ( توبة من الله ) تنبيه على أنه كان مقصرا في ترك الاحتياط .
الوجه الثاني في الجواب : أن قوله : ( توبة من الله ) راجع إلى أنه تعالى أذن له في ، وذلك لأن الله تعالى إذا تاب على المذنب فقد خفف عنه ، فلما كان التخفيف من لوازم التوبة أطلق لفظ التوبة لإرادة التخفيف إطلاقا لاسم الملزوم على اللازم . إقامة الصوم مقام الإعتاق عند العجز عنه
الوجه الثالث في الجواب : أن المؤمن إذا اتفق له مثل هذا الخطأ فإنه يندم ويتمنى أن لا يكون ذلك مما وقع فسمى الله تعالى ذلك الندم وذلك التمني توبة .
ثم قال تعالى : ( وكان الله عليما حكيما ) والمعنى أنه تعالى عليم بأنه لم يقصد ولم يتعمد ، حكيم في أنه ما يؤاخذه بذلك الفعل الخطأ ، فإن الحكمة تقتضي أن لا يؤاخذ الإنسان إلا بما يختار ويتعمد .
واعلم أن أهل السنة لما اعتقدوا أن أفعال الله تعالى غير معللة برعاية المصالح قالوا : معنى كونه تعالى [ ص: 189 ] حكيما كونه عالما بعواقب الأمور . وقالت المعتزلة : هذه الآية تبطل هذا القول لأنه تعالى عطف الحكيم على العليم ، فلو كان الحكيم هو العليم لكان هذا عطفا للشيء على نفسه وهو محال .
والجواب : أن في كل موضع من القرآن ورد فيه لفظ الحكيم معطوفا على العليم كان المراد من الحكيم كونه محكما في أفعاله ، فالإحكام والإعلام عائدان إلى كيفية الفعل والله أعلم .