( والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا )
[ ص: 110 ]
قوله تعالى : ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا )
اعلم أنه قد جرت عادة الله تعالى في هذا الكتاب الكريم بأن الوعد والوعيد يتلازمان في الذكر على سبيل الأغلب ، وفي الآية مسألتان :
المسألة الأولى : هذه الآية دالة على أن ؛ لأنه تعالى عطف العمل على الإيمان ، والمعطوف مغاير للمعطوف عليه . قال القاضي : متى ذكر لفظ الإيمان وحده دخل فيه العمل ، ومتى ذكر معه العمل كان الإيمان هو التصديق ، وهذا بعيد ؛ لأن الأصل عدم الاشتراك وعدم التغيير ، ولولا أن الأمر كذلك لخرج القرآن عن كونه مفيدا . فلعل هذه الألفاظ التي نسمعها في القرآن يكون لكل واحد منها معنى سوى ما نعلمه ، ويكون مراد الله تعالى منه ذلك المعنى ، لا هذا الذي تبادرت أفهامنا إليه . هذا على القول بأن احتمال الاشتراك والإفراد على السوية ، وأما على القول بأن احتمال البقاء على الأصل واحتمال التغيير متساويان فلا ؛ لأن على هذا التقدير يحتمل أن يقال : هذه الألفاظ كانت في زمان الرسول - صلى الله عليه وسلم - موضوعة لمعنى آخر غير ما نفهمه الآن ، ثم تغيرت إلى هذا الذي نفهمه الآن . فثبت أن على هذين التقديرين يخرج القرآن عن كونه حجة ، وإذا ثبت أن الاشتراك والتغيير خلاف الأصل اندفع كلام القاضي . الإيمان غير العمل
المسألة الثانية : اعلم أنه تعالى ذكر في شرح أمورا : ثواب المطيعين
أحدها : أنه تعالى يدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار ، وقال الزجاج : المراد تجري من تحتها مياه الأنهار ، واعلم أنه إن جعل النهر اسما لمكان الماء كان الأمر مثل ما قاله الزجاج ، أما إن جعلناه في المتعارف اسما لذلك الماء فلا حاجة إلى هذا الإضمار .
وثانيها : ، وفيه رد على أنه تعالى وصفها بالخلود والتأبيد حيث يقول : إن نعيم الجنة وعذاب النار ينقطعان ، وأيضا أنه تعالى ذكر مع الخلود التأبيد ، ولو كان الخلود عبارة عن التأبيد لزم التكرار وهو غير جائز ، فدل هذا أن الخلود ليس عبارة عن التأبيد ، بل هو عبارة عن طول المكث من غير بيان أنه منقطع أو غير منقطع ، وإذا ثبت هذا الأصل فعند هذا يبطل استدلال جهم بن صفوان المعتزلة بقوله تعالى : ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها ) [ النساء : 93 ] على أن ؛ لأنا بينا بدلالة هذه الآية أن الخلود لطول المكث لا للتأبيد . صاحب الكبيرة يبقى في النار على سبيل التأبيد
وثالثها : قوله تعالى : ( لهم فيها أزواج مطهرة ) والمراد طهارتهن من الحيض والنفاس وجميع أقذار الدنيا ، ونظيره قوله تعالى في سورة البقرة : ( ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون ) [ البقرة : 25 ] واللطائف اللائقة بهذا الموضع قد ذكرناها في تلك الآية .
ورابعها : قوله : ( وندخلهم ظلا ظليلا ) قال الواحدي : الظليل ليس ينبئ عن الفعل حتى يقال : إنه بمعنى فاعل أو مفعول ، بل هو مبالغة في نعت الظل ، مثل قولهم : ليل أليل .
واعلم أن بلاد العرب كانت في غاية الحرارة ، فكان الظل عندهم أعظم أسباب الراحة ؛ ولهذا المعنى جعلوه كناية عن الراحة . قال - عليه الصلاة السلام - : " " فإذا كان الظل عبارة عن الراحة كان الظليل كناية عن المبالغة العظيمة في الراحة ، هذا ما يميل إليه خاطري ، وبهذا الطريق يندفع سؤال من يقول : إذا لم يكن في الجنة شمس تؤذي بحرها ، فما فائدة وصفها بالظل الظليل . وأيضا نرى في الدنيا أن المواضع التي يدوم الظل فيها ولا يصل نور الشمس إليها يكون هواؤها عفنا فاسدا مؤذيا ، فما معنى وصف هواء الجنة بذلك لأن على هذا الوجه الذي لخصناه تندفع هذه الشبهات . السلطان ظل الله في الأرض