( وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله وكان الله بهم عليما )
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قوله : ( وماذا عليهم ) استفهام بمعنى الإنكار ، ويجوز أن يكون " ماذا " اسما واحدا ، فيكون المعنى : وأي الشيء عليهم ، ويجوز أن يكون " ذا " في معنى الذي ، ويكون " ما " وحدها اسما ، ويكون المعنى : وما الذي عليهم لو آمنوا .
المسألة الثانية : احتج القائلون بأن بهذه الآية ، فقالوا : إن قوله تعالى : ( الإيمان يصح على سبيل التقليد وماذا عليهم لو آمنوا ) مشعر بأن الإتيان بالإيمان في غاية السهولة ، ولو كان الاستدلال معتبرا لكان في غاية الصعوبة ، فإنا نرى المستدلين تفرغ أعمارهم ولا يتم استدلالهم ، فدل هذا على أن التقليد كاف .
أجاب المتكلمون بأن الصعوبة في التفاصيل ، فأما الدلائل على سبيل الجملة فهي سهلة ، واعلم أن في هذا البحث غورا .
المسألة الثالثة : احتج جمهور المعتزلة بهذه الآية ، وضربوا له أمثلة ، قال الجبائي : ولو كانوا غير قادرين لم يجز أن يقول الله ذلك ، كما لا يقال لمن هو في النار معذب : ماذا عليهم لو خرجوا منها وصاروا إلى الجنة ، وكما لا يقال للجائع الذي لا يقدر على الطعام : ماذا عليه لو أكل . وقال الكعبي : لا يجوز أن يحدث فيه الكفر ، ثم يقول : ماذا عليه لو آمن . كما لا يقال لمن أمرضه : ماذا عليه لو كان صحيحا ، ولا يقال للمرأة : ماذا عليها لو كانت رجلا ، وللقبيح : ماذا عليه لو كان جميلا ، وكما لا يحسن هذا القول من العاقل ، كذا لا يحسن من الله تعالى ، فبطل بهذا ما يقال : إنه وإن قبح من غيره ، لكنه يحسن منه ؛ لأن الملك ملكه . وقال : إنه لا يجوز أن يأمر العاقل وكيله بالتصرف في الضيعة ويحبسه من حيث لا يتمكن من [ ص: 82 ] مفارقة الحبس ، ثم يقول له : ماذا عليك لو تصرفت في الضيعة ، وإذا كان من يذكر مثل هذا الكلام سفيها دل على أن ذلك غير جائز على الله تعالى ، فهذا جملة ما ذكروه من الأمثلة . القاضي عبد الجبار
واعلم أن التمسك بطريقة المدح والذم والثواب والعقاب قد كثر للمعتزلة ، ومعارضتهم بمسألتي العلم والداعي قد كثرت ، فلا حاجة إلى الإعادة .
ثم قال تعالى : ( وكان الله بهم عليما ) والمعنى أن القصد إلى الرئاء إنما يكون باطنا غير ظاهر ، فبين تعالى أنه عليم ببواطن الأمور كما هو عليم بظواهرها ، فإن الإنسان متى اعتقد ذلك صار ذلك كالرادع له عن القبائح من أفعال القلوب : مثل داعية النفاق والرياء والسمعة .