النوع الثامن : من التكاليف المذكورة في هذه السورة .
( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا )
قوله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا )
اعلم أن في كيفية النظم وجهين :
الأول : أنه تعالى لما شرح كيفية التصرف في النفوس بسبب النكاح ذكر بعده كيفية التصرف في الأموال .
والثاني : قال القاضي : لما ذكر ابتغاء النكاح بالأموال وأمر بإيفاء المهور والنفقات ، بين من بعد كيف التصرف في الأموال ، فقال : ( ياأيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ) [ ص: 57 ] وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : أنه تعالى خص الأكل ههنا بالذكر وإن كانت ؛ لما أن المقصود الأعظم من الأموال : الأكل ، ونظيره قوله تعالى : ( سائر التصرفات الواقعة على الوجه الباطل محرمة إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ) [ النساء : 10 ] .
المسألة الثانية : ذكروا في تفسير الباطل وجهين :
الأول : أنه اسم لكل ما لا يحل في الشرع ، كالربا ، والغصب ، والسرقة ، والخيانة ، وشهادة الزور ، وأخذ المال باليمين الكاذبة ، وجحد الحق . وعندي أن حمل الآية على هذا الوجه يقتضي كونها مجملة ؛ لأنه يصير تقدير الآية : لا تأكلوا أموالكم التي جعلتموها بينكم بطريق غير مشروع ، فإن الطرق المشروعة لما لم تكن مذكورة ههنا على التفصيل صارت الآية مجملة لا محالة .
والثاني : ما روي عن ابن عباس والحسن - رضي الله عنهم : أن الباطل هو كل ما يؤخذ من الإنسان بغير عوض ، وبهذا التقدير لا تكون الآية مجملة ، لكن قال بعضهم : إنها منسوخة ، قالوا : لما نزلت هذه الآية تحرج الناس من أن يأكلوا عند أحد شيئا ، وشق ذلك على الخلق ، فنسخه الله تعالى بقوله في سورة النور : ( ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا ) الآية . وأيضا : ظاهر الآية - إذا فسرنا الباطل بما ذكرناه - تحرم الصدقات والهبات . ويمكن أن يقال : هذا ليس بنسخ ، وإنما هو تخصيص ؛ ولهذا روى ، عن الشعبي علقمة ، عن ابن مسعود أنه قال : هذه الآية محكمة ، ما نسخت ، ولا تنسخ إلى يوم القيامة .
المسألة الثالثة : قوله تعالى : ( لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ) يدخل تحته ، أكل مال الغير بالباطل ؛ لأن قوله : ( وأكل مال نفسه بالباطل أموالكم ) يدخل فيه القسمان معا ، كقوله : ( ولا تقتلوا أنفسكم ) يدل على النهي عن قتل غيره وعن قتل نفسه بالباطل . أما أكل مال نفسه بالباطل فهو إنفاقه في معاصي الله ، وأما أكل مال غيره بالباطل فقد عددناه .