ثم قال تعالى : ( وآتوهن أجورهن بالمعروف ) وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : في تفسير الآية قولان :
الأول : أن المراد من الأجور : المهور ، وعلى هذا التقدير فالآية تدل على ، سمى لها المهر أو لم يسم ؛ لأنه تعالى لم يفرق بين من سمى ، وبين من لم يسم في إيجاب المهر ، ويدل على أنه قد أراد مهر المثل قوله تعالى : ( وجوب مهرها إذا نكحها بالمعروف ) وهذا إنما يطلق فيما كان مبنيا على الاجتهاد وغالب الظن في المعتاد والمتعارف كقوله تعالى : ( وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ) [ البقرة : 233 ] .
الثاني : قال القاضي : إن المراد من أجورهن النفقة عليهن ، قال هذا القائل : وهذا أولى من الأول ؛ لأن المهر مقدر ، ولا معنى لاشتراط المعروف فيه ، فكأنه تعالى بين أن كونها أمة لا يقدح في وجوب نفقتها وكفايتها كما في حق الحرة إذا حصلت التخلية من المولى بينه وبينها على العادة ، ثم قال القاضي : اللفظ وإن كان يحتمل ما ذكرناه فأكثر المفسرين يحملونه على المهر ، وحملوا قوله : ( بالمعروف ) على إيصال المهر إليها على العادة الجميلة عند المطالبة من غير مطل وتأخير .
المسألة الثانية : نقل في أحكام القرآن عن بعض أصحاب أبو بكر الرازي مالك أن ، وأن المولى إذا آجرها للخدمة كان المولى هو المستحق للأجر دونها وهؤلاء احتجوا في المهر بهذه الآية ، وهو قوله : ( الأمة هي المستحقة لقبض مهرها وآتوهن أجورهن ) وأما الجمهور فإنهم احتجوا على أن مهرها لمولاها بالنص والقياس ، أما النص فقوله تعالى : ( ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ) [ النحل : 75 ] وهذا ينفي كون المملوك مالكا لشيء أصلا ، وأما القياس فهو أن المهر وجب عوضا عن منافع البضع ، وتلك المنافع مملوكة للسيد ، وهو الذي أباحها للزوج بقيد النكاح ، فوجب أن يكون هو المستحق لبدلها .
والجواب عن تمسكهم بالآية من وجوه :
الأول : أنا إذا حملنا الأجور في الآية على النفقة زال السؤال بالكلية .
الثاني : أنه تعالى إنما أضاف إيتاء المهور إليهن لأنه ثمن بضعهن وليس في قوله : ( وآتوهن ) ما يوجب كون المهر ملكا لهن ، ولكنه عليه الصلاة والسلام قال : " العبد وما في يده لمولاه " فيصير ذلك المهر ملكا للمولى بهذه الطريق ، والله أعلم .