النوع العاشر : من المحرمات :
قوله تعالى : ( وأمهات نسائكم ) وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : يدخل في هذه الآية الأمهات الأصلية وجميع جداتها من قبل الأب والأم كما بينا مثله في النسب .
المسألة الثانية : مذهب الأكثرين من الصحابة والتابعين أن سواء دخل بها أو لم يدخل ، وزعم جمع من الصحابة أن أم المرأة إنما تحرم بالدخول بالبنت كما أن من تزوج بامرأة حرمت عليه أمها ، وهو قول الربيبة إنما تحرم بالدخول بأمها علي وزيد وابن عمر وابن الزبير وجابر ، وأظهر الروايات عن ، وحجتهم أنه تعالى ذكر حكمين وهو قوله : ( ابن عباس وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم ) [ النساء : 23 ] ثم ذكر شرطا وهو قوله : ( من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ) [ النساء : 23 ] فوجب أن يكون ذلك الشرط معتبرا في الجملتين معا ، وحجة القول الأول أن قوله تعالى : ( وأمهات نسائكم ) جملة مستقلة بنفسها ولم يدل الدليل على عود ذلك الشرط إليه ، فوجب القول ببقائه على عمومه ، وإنما قلنا إن هذا الشرط غير عائد لوجوه :
الأول : وهو أن [ ص: 27 ] الشرط لا بد من تعليقه بشيء سبق ذكره فإذا علقناه بإحدى الجملتين لم يكن بنا حاجة إلى تعليقه بالجملة الثانية ، فكان تعليقه بالجملة الثانية تركا للظاهر من غير دليل ، وأنه لا يجوز .
الثاني : وهو أن عموم هذه الجملة معلوم ، وعود الشرط إليه محتمل ؛ لأنه لا يجوز أن يكون الشرط مختصا بالجملة الأخيرة فقط ، ويجوز أن يكون عائدا إلى الجملتين معا ، والقول بعود هذا الشرط إلى الجملتين ترك لظاهر العموم بمخصص مشكوك ، وأنه لا يجوز .
الثالث : وهو أن هذا الشرط لو عاد إلى الجملة الأولى ، فإما أن يكون مقصورا عليها ، وإما أن يكون متعلقا بها وبالجملة الثانية أيضا ، والأول باطل ؛ لأن على هذا التقدير يلزم القول بتحريم الربائب مطلقا ، وذلك باطل بالإجماع ، والثاني باطل أيضا ؛ لأن على هذا التقدير يصير نظم الآية هكذا : وأمهات نسائكم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ، فيكون المراد بكلمة " من " ههنا التمييز ثم يقول : وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ، فيكون المراد بكلمة " من " ههنا ابتداء الغاية كما يقول : بنات الرسول من ، فيلزم استعمال اللفظ الواحد المشترك في كلا مفهوميه وأنه غير جائز ، ويمكن أن يجاب عنه فيقال : إن كلمة " من " للاتصال كقوله تعالى : ( خديجة المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض ) ، وقال عليه الصلاة والسلام : " " ومعنى مطلق الاتصال حاصل في النساء والربائب معا . ما أنا من دد ولا الدد مني
الوجه الرابع في الدلالة على ما قلناه : ما روى عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : عمرو بن شعيب ، وطعن إذا نكح الرجل المرأة فلا يحل له أن يتزوج أمها ، دخل بالبنت أو لم يدخل ، وإذا تزوج الأم فلم يدخل بها ثم طلقها فإن شاء تزوج البنت في صحة هذا الحديث ، وكان محمد بن جرير الطبري يفتي عبد الله بن مسعود وهو يومئذ بنكاح أم المرأة إذا طلق بنتها قبل المسيس بالكوفة ، فاتفق أن ذهب إلى المدينة فصادفهم مجمعين على خلاف فتواه ، فلما رجع إلى الكوفة لم يدخل داره حتى ذهب إلى ذلك الرجل وقرع عليه الباب وأمره بالنزول عن تلك المرأة .
وروى قتادة عن أن سعيد بن المسيب قال : الرجل إذا طلق امرأته قبل الدخول وأراد أن يتزوج أمها فإن طلقها قبل الدخول تزوج أمها ، وإن ماتت لم يتزوج أمها ، واعلم أنه إنما فرق بين الموت والطلاق في التحريم ؛ لأن الطلاق قبل الدخول لا يتعلق به شيء من أحكام الدخول ، ألا ترى أنه لا يجب عليها عدة ؟ وأما الموت فلما كان في حكم الدخول في باب وجوب العدة ، لا جرم جعله الله سببا لهذا التحريم . زيد بن ثابت