( وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا ) .
وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا ) . قوله تعالى : (
وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أن قوله : ( وإذا حضر القسمة ) ليس فيه بيان أي قسمة هي ، فلهذا المعنى للمفسرين فيه أقوال : الأول : أنه تعالى لما ذكر في الآية الأولى أن النساء أسوة الرجال في أن لهن حظا من الميراث ، وعلم تعالى أن في الأقارب من يرث ومن لا يرث ، وأن الذين لا يرثون إذا حضروا وقت القسمة ، فإن تركوا محرومين بالكلية ثقل ذلك عليهم ، فلا جرم أمر الله تعالى أن يدفع إليهم شيء عند القسمة حتى يحصل الأدب الجميل وحسن العشرة ، ثم القائلون بهذا القول اختلفوا ، فمنهم من قال : إن ذلك واجب ، ومنهم من قال : إنه مندوب ، أما القائلون بالوجوب ، فقد اختلفوا في أمور : أحدها : أن منهم من قال : الوارث إن كان كبيرا وجب عليه أن يرضخ لمن حضر القسمة شيئا من المال بقدر ما تطيب نفسه به ، وإن كان صغيرا وجب على الولي إعطاؤهم من ذلك المال ، ومنهم من قال : إن كان الوارث كبيرا ، وجب عليه الإعطاء من ذلك المال ، وإن كان صغيرا وجب على الولي أن يعتذر إليهم ، ويقول : إني لا أملك هذا المال [ ص: 160 ] إنما هو لهؤلاء الضعفاء الذين لا يعقلون ما عليهم من الحق ، وإن يكبروا فسيعرفون حقكم ، فهذا هو القول المعروف ، وثانيها : قال الحسن : هذا الرضخ مختص بقسمة الأعيان ، فإذا آل الأمر إلى قسمة الأرضين والرقيق وما أشبه ذلك ، قال لهم قولا معروفا ، مثل أن يقول لهم : ارجعوا بارك الله فيكم ، وثالثها : قالوا : مقدار ما يجب فيه الرضخ شيء قليل ، ولا تقدير فيه بالإجماع . ورابعها : أن على تقدير وجوب هذا الحكم تكون هذه الآية منسوخة . قال والنخعي في رواية ابن عباس عطاء : وهذه الآية منسوخة بآية المواريث ، وهذا قول سعيد بن المسيب والضحاك ، وقال في رواية عكرمة : الآية محكمة غير منسوخة وهو مذهب أبي موسى الأشعري وإبراهيم النخعي والشعبي والزهري ومجاهد والحسن ، فهؤلاء كانوا يعطون من حضر شيئا من التركة . روي أن وسعيد بن جبير عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قسم ميراث أبيه حية ، فلم يترك في الدار أحدا إلا أعطاه ، وتلا هذه الآية ، فهذا كله تفصيل قول من قال بأن هذا الحكم ثبت على سبيل الوجوب . وعائشة
ومنهم من قال : إنه ثبت على سبيل الندب والاستحباب ، لا على سبيل الفرض والإيجاب ، وهذا الندب أيضا إنما يحصل إذا كانت الورثة كبارا ، أما إذا كانوا صغارا فليس إلا القول المعروف ، وهذا المذهب هو الذي عليه فقهاء الأمصار . واحتجوا بأنه لو كان لهؤلاء حق معين لبين الله تعالى قدر ذلك الحق كما في سائر الحقوق ، وحيث لم يبين علمنا أنه غير واجب ، ولأن ذلك لو كان واجبا لتوفرت الدواعي على نقله لشدة حرص الفقراء والمساكين على تقديره ، ولو كان ذلك لنقل على سبيل التواتر ، ولما لم يكن الأمر كذلك علمنا أنه غير واجب .
القول الثاني : في تفسير الآية : أن المراد بالقسمة الوصية ، فإذا حضرها من لا يرث من الأقرباء واليتامى والمساكين أمر الله تعالى أن يجعل لهم نصيبا من تلك الوصية ، ويقول لهم مع ذلك قولا معروفا في الوقت ، فيكون ذلك سببا لوصول السرور إليهم في الحال والاستقبال ، والقول الأول أولى ، لأنه تقدم ذكر الميراث ولم يتقدم ذكر الوصية ، ويمكن أن يقال : هذا القول أولى ؛ لأن الآية التي تقدمت في الوصية .
القول الثالث في تفسير الآية أن قوله : ( وإذا حضر القسمة أولو القربى ) فالمراد من أولي القربى الذين يرثون ، والمراد من ( واليتامى والمساكين ) الذين لا يرثون .
ثم قال : ( فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا ) فقوله : ( فارزقوهم ) راجع إلى القربى الذين يرثون ، وقوله : ( وقولوا لهم قولا معروفا ) راجع إلى اليتامى والمساكين الذين لا يرثون ، وهذا القول محكي عن . سعيد بن جبير
المسألة الثانية : قال صاحب الكشاف : الضمير في قوله : ( فارزقوهم منه ) عائد إلى ما ترك الوالدان والأقربون ، وقال الواحدي : الضمير عائد إلى الميراث فتكون الكناية على هذا الوجه عائدة إلى معنى القسمة ، لا إلى لفظها كقوله : ( ثم استخرجها من وعاء أخيه ) [ يوسف : 76 ] والصواع مذكر لا يكنى عنه بالتأنيث ، لكن أريد به المشربة فعادت الكناية إلى المعنى لا إلى اللفظ ، وعلى هذا التقدير فالمراد بالقسمة المقسوم ، لأنه إنما يكون الرزق من المقسوم لا من نفس القسمة .
المسألة الثالثة : إنما قدم اليتامى على المساكين ؛ لأن ضعف اليتامى أكثر ، وحاجتهم أشد ، فكان وضع الصدقات فيهم أفضل وأعظم في الأجر .
[ ص: 161 ] المسألة الرابعة : الأشبه هو أن المراد بالقول المعروف أن لا يتبع العطية المن والأذى بالقول أو يكون المراد الوعد بالزيادة والاعتذار لمن لم يعطه شيئا .