[ ص: 152 ] ثم قال تعالى : ( وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا ) .
واعلم أنه تعالى لما نهى عن أمر بعد ذلك بثلاثة أشياء : أولها : قوله : ( وارزقوهم ) ومعناه : وأنفقوا عليهم ومعنى الرزق من العباد هو الإجراء الموظف لوقت معلوم يقال : فلان رزق عياله أي أجرى عليهم ، وإنما قال : ( فيها ) ولم يقل : منها لئلا يكون ذلك أمرا بأن يجعلوا بعض أموالهم رزقا لهم ، بل أمرهم أن يجعلوا أموالهم مكانا لرزقهم بأن يتجروا فيها ويثمروها فيجعلوا أرزاقهم من الأرباح لا من أصول الأموال ، وثانيها : قوله : ( واكسوهم ) والمراد ظاهر ، وثالثها : قوله : ( إيتاء المال السفيه وقولوا لهم قولا معروفا ) .
واعلم أنه تعالى إنما أمر بذلك ؛ لأن القول الجميل يؤثر في القلب فيزيل السفه ، أما خلاف القول المعروف فإنه يزيد السفيه سفها ونقصانا .
والمفسرون ذكروا في تفسير القول المعروف وجوها :
أحدها : قال ابن جريج : إنه العدة الجميلة من البر والصلة ، وقال ومجاهد : هو مثل أن يقول : إذا ربحت في سفرتي هذه فعلت بك ما أنت أهله ، وإن غنمت في غزاتي أعطيتك . ابن عباس
وثانيها : قال ابن زيد : إنه الدعاء مثل أن يقول : عافانا الله وإياك بارك الله فيك ، وبالجملة كل ما سكنت إليه النفوس وأحبته من قول وعمل فهو معروف وكل ما أنكرته وكرهته ونفرت منه فهو منكر .
وثالثها : قال الزجاج : المعنى علموهم مع إطعامكم وكسوتكم إياهم أمر دينهم مما يتعلق بالعلم والعمل ، ورابعها : قال القفال رحمه الله القول المعروف هو أنه إن كان المولى عليه صبيا ، فالولي يعرفه أن المال ماله وهو خازن له ، وأنه إذا زال صباه فإنه يرد المال إليه ، ونظير هذه الآية قوله : ( فأما اليتيم فلا تقهر ) [ الضحى : 9 ] معناه لا تعاشره بالتسلط عليه كما تعاشر العبيد ، وكذا قوله : ( وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا ) [ الإسراء : 28 ] وإن كان المولى عليه سفيها وعظه ونصحه وحثه على الصلاة ، ورغبه في ترك التبذير والإسراف ، وعرفه أن الفقر والاحتياج إلى الخلق إلى ما يشبه هذا النوع من الكلام ، وهذا الوجه أحسن من سائر الوجوه التي حكيناها . عاقبة التبذير