قوله تعالى : ( ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير ) .
اعلم أنه تعالى لما بالغ في التحريض على في الآيات المتقدمة شرع ههنا في التحريض على بذل النفس في الجهاد ، وبين الوعيد الشديد لمن بذل المال في الجهاد ، وفي الآية مسائل : يبخل ببذل المال في سبيل الله
المسألة الأولى : قرأ حمزة " ولا تحسبن " بالتاء ، والباقون بالياء ، أما قراءة حمزة بالتاء المنقطة من فوق فقال الزجاج : معناه ولا تحسبن بخل الذين يبخلون خيرا لهم ، فحذف المضاف لدلالة يبخلون عليه ، وأما من قرأ بالياء المنقطة من تحت ففيه وجهان :
الأول : أن يكون فاعل " يحسبن " ضمير رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو ضمير أحد ، والتقدير : ولا يحسبن رسول الله أو لا يحسبن أحد بخل الذين يبخلون خيرا لهم ، وإنما جاز حذفه لدلالة يبخلون عليه ، كقوله : من كذب كان شرا له ، أي الكذب ، ومثله :
إذا نهي السفيه جرى إليه
أي السفه . وأنشد الفراء :
هم الملوك وأبناء الملوك هم والآخذون به والسادة الأول
فقوله " به " يريد بالملك ، ولكنه اكتفى عنه بذكر الملوك .
[ ص: 92 ] المسألة الثانية : هو في قوله : ( هو خيرا لهم ) تسميه البصريون فصلا ، والكوفيون عمادا ، وذلك لأنه لما ذكر " يبخلون " فهو بمنزلة ما إذا ذكر البخل ، فكأنه قيل : ولا يحسبن الذين يبخلون البخل خيرا لهم ، وتحقيق القول فيه أن للمبتدأ حقيقة ، وللخبر حقيقة ، وكون حقيقة المبتدأ موصوفا بحقيقة الخبر أمر زائد على حقيقة المبتدأ وحقيقة الخبر ، فإذا كانت هذه الموصوفية أمرا زائدا على الذاتين فلا بد من صيغة ثالثة دالة على هذه الموصوفية وهي كلمة " هو " .