ثم قال تعالى : ( قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان ) وهذا هو الجواب الذي ذكره المنافقون وفيه وجهان :
الأول : أن يكون المراد أن الفريقين لا يقتتلان البتة ، فلهذا رجعنا .
الثاني : أن يكون المعنى لو نعلم ما يصلح أن يسمى قتالا لاتبعناكم ، يعني أن الذي يقدمون عليه لا يقال له [ ص: 70 ] قتال ، وإنما هو إلقاء النفس في التهلكة ؛ لأن رأي عبد الله كان في الإقامة بالمدينة ، وما كان يستصوب الخروج .
واعلم أنه إن كان المراد من هذا الكلام هو الوجه الأول فهو فاسد ، وذلك لأن الظن في أحوال الدنيا قائم مقام العلم ، وأمارات حصول القتال كانت ظاهرة في ذلك اليوم ، ولو قيل لهذا المنافق الذي ذكر هذا الجواب : فينبغي لك لو شاهدت من شهر سيفه في الحرب أن لا تقدم على مقاتلته لأنك لا تعلم منه قتالا ، وكذا القول في سائر التصرفات في أمور الدنيا ، بل الحق أن ، ولا أمارات أقوى من قربهم من الجهاد واجب عند ظهور أمارات المحاربة المدينة عند جبل أحد ، فدل ذكر هذا الجواب على غاية الخزي والنفاق ، وأنه كان غرضهم من ذكر هذا الجواب إما التلبيس ، وإما الاستهزاء . وأما إن كان مراد المنافق هو الوجه الثاني فهو أيضا باطل ; لأن الله تعالى لما وعدهم بالنصرة والإعانة لم يكن الخروج إلى ذلك القتال إلقاءا للنفس في التهلكة .