[ ص: 172 ] ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون )
قوله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون )
اعلم أنه تعالى لما شرح أحوال المؤمنين والكافرين شرع في تحذير المؤمنين عن في هذه الآية وهاهنا مسائل : مخالطة الكافرين
المسألة الأولى : اختلفوا في أن الذين نهى الله المؤمنين عن مخالطتهم من هم ؟ على أقوال : الأول : أنهم هم اليهود وذلك لأن المسلمين كانوا يشاورونهم في أمورهم ويؤانسونهم لما كان بينهم من الرضاع والحلف ظنا منهم أنهم وإن خالفوهم في الدين فهم ينصحون لهم في أسباب المعاش فنهاهم الله تعالى بهذه الآية عنه ، وحجة أصحاب هذا القول أن هذه الآيات من أولها إلى آخرها مخاطبة مع اليهود فتكون هذه الآية أيضا كذلك . الثاني : أنهم هم المنافقون ، وذلك لأن المؤمنين كانوا يغترون بظاهر أقوال المنافقين ويظنون أنهم صادقون فيفشون إليهم الأسرار ويطلعونهم على الأحوال الخفية ، فالله تعالى منعهم عن ذلك ، وحجة أصحاب هذا القول أن ما بعد هذه الآية يدل على ذلك وهو قوله : ( وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ ) [ آل عمران : 119 ] ومعلوم أن هذا لا يليق باليهود بل هو ، ونظيره قوله تعالى في سورة البقرة : ( صفة المنافقين وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون ) [ البقرة : 14 ] . الثالث : المراد به جميع أصناف الكفار والدليل عليه قوله تعالى : ( بطانة من دونكم ) فمنع المؤمنين أن يتخذوا بطانة من غير المؤمنين فيكون ذلك نهيا عن جميع الكفار وقال تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ) [ الممتحنة : 1 ] ومما يؤكد ذلك ما روي أنه قيل رضي الله عنه : هاهنا رجل من أهل الحيرة نصراني لا يعرف أقوى حفظا ولا أحسن خطا منه ، فإن رأيت أن تتخذه كاتبا ، فامتنع لعمر بن الخطاب عمر من ذلك وقال : إذن اتخذت بطانة من غير المؤمنين ، فقد جعل عمر رضي الله عنه هذه الآية دليلا على النهي عن اتخاذ بطانة ، وأما ما تمسكوا به من أن ما بعد الآية مختص بالمنافقين فهذا لا يمنع عموم أول الآية ، فإنه ثبت في أصول الفقه أن . أول الآية إذا كان عاما وآخرها إذا كان خاصا لم يكن خصوص آخر الآية مانعا من عموم أولها
المسألة الثانية : قال أبو حاتم عن : بطن فلان بفلان يبطن به بطونا وبطانة ، إذا كان خاصا به داخلا في أمره ، فالبطانة مصدر يسمى به الواحد والجمع ، وبطانة الرجل خاصته الذين يبطنون أمره وأصله من البطن خلاف الظهر ، ومنه بطانة الثوب خلاف ظهارته ، والحاصل أن الذي يخصه الإنسان بمزيد التقريب يسمى بطانة لأنه بمنزلة ما يلي بطنه في شدة القرب منه . الأصمعي
[ ص: 173 ] المسألة الثالثة : قوله تعالى : ( لا تتخذوا بطانة ) نكرة في سياق النفي فيفيد العموم .