أما قوله تعالى : ( وجيها في الدنيا والآخرة ) ففيه مسألتان :
المسألة الأولى : معنى الوجيه : ذو الجاه والشرف والقدر ، يقال : وجه الرجل ، يوجه وجاهة فهو وجيه ، إذا صارت له منزلة رفيعة عند الناس والسلطان ، وقال بعض أهل اللغة : الوجيه : هو الكريم ؛ لأن أشرف [ ص: 45 ] أعضاء الإنسان وجهه فجعل الوجه استعارة عن الكرم والكمال .
واعلم أن الله تعالى وصف موسى - صلى الله عليه وسلم - بأنه كان وجيها قال الله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها ) [ الأحزاب : 69 ] ثم للمفسرين أقوال :
الأول : قال الحسن : كان وجيها في الدنيا بسبب النبوة ، وفي الآخرة بسبب علو المنزلة عند الله تعالى .
والثاني : أنه وجيه عند الله تعالى ، وأما عيسى - عليه السلام - ، فهو وجيه في الدنيا بسبب أنه يستجاب دعاؤه ، ويحيي الموتى ، ويبرئ الأكمه والأبرص بسبب دعائه ، ووجيه في الآخرة بسبب أنه يجعله شفيع أمته المحقين ويقبل شفاعتهم فيهم كما يقبل شفاعة أكابر الأنبياء عليهم السلام .
والثالث : أنه وجهه في الدنيا بسبب أنه كان مبرأ من العيوب التي وصفه اليهود بها ، ووجيه في الآخرة بسبب كثرة ثوابه وعلو درجته عند الله تعالى .
فإن قيل : واليهود عاملوه بما عاملوه ؟ قلنا : قد ذكرنا أنه تعالى سمى كيف كان وجيها في الدنيا موسى - عليه السلام - بالوجيه مع أن اليهود طعنوا فيه ، وآذوه إلى أن برأه الله تعالى مما قالوا ، وذلك لم يقدح في وجاهة موسى -عليه السلام - ، فكذا هاهنا .
المسألة الثانية : قال الزجاج : " وجيها " منصوب على الحال ، المعنى : أن الله يبشرك بهذا الولد وجيها في الدنيا والآخرة ، والفراء يسمي هذا قطعا كأنه قال : عيسى ابن مريم الوجيه فقطع منه التعريف .
أما قوله : ( ومن المقربين ) [آل عمران : 45] ففيه وجوه :
أحدها : أنه تعالى جعل ذلك كالمدح العظيم للملائكة فألحقه بمثل منزلتهم ودرجتهم بواسطة هذه الصفة .
وثانيها : أن هذا الوصف كالتنبيه على أنه - عليه السلام - سيرفع إلى السماء وتصاحبه الملائكة .
وثالثها : أنه ليس كل وجيه في الآخرة يكون مقربا ؛ لأن أهل الجنة على منازل ودرجات ، ولذلك قال تعالى : ( وكنتم أزواجا ثلاثة ) [ الواقعة : 7 ] إلى قوله : ( والسابقون السابقون أولئك المقربون ) [ الواقعة : 10 ] .