أما قوله تعالى : ( ذرية بعضها من بعض ) ففيه مسألتان :
المسألة الأولى : في نصب قوله : ( ذرية ) وجهان :
الأول : أنه بدل من آل إبراهيم .
والثاني : أن يكون نصبا على الحال ، أي اصطفاهم في حال كون بعضهم من بعض .
المسألة الثانية : في تأويل الآية وجوه :
الأول : ذرية بعضها من بعض في التوحيد والإخلاص والطاعة ، ونظيره قوله تعالى : ( المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض ) [التوبة : 67 ] وذلك بسبب اشتراكهم في النفاق .
والثاني : ذرية بعضها من بعض بمعنى أن غير آدم - عليه السلام - كانوا متولدين من آدم - عليه السلام - ، ويكون المراد بالذرية من سوى آدم .
أما قوله تعالى : ( والله سميع عليم ) [ البقرة : 224 ] فقال القفال : المعنى ، وإنما يصطفي من خلقه من يعلم استقامته قولا وفعلا ، ونظيره قوله تعالى : ( والله سميع لأقوال العباد ، عليم بضمائرهم وأفعالهم الله أعلم حيث يجعل رسالته ) [الأنعام : 124 ] وقوله : ( إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين ) [الأنبياء : 90 ] وفيه وجه آخر : وهو أن اليهود كانوا يقولون : نحن من ولد إبراهيم ومن آل عمران ، فنحن أبناء الله وأحباؤه ، والنصارى كانوا يقولون : المسيح ابن الله ، وكان بعضهم عالما بأن هذا الكلام باطل ، إلا أنه لتطييب قلوب العوام بقي مصرا عليه ، فالله تعالى كأنه يقول : والله سميع لهذه الأقوال الباطلة منكم ، عليم بأغراضكم الفاسدة من هذه الأقوال فيجازيكم عليها ، فكان أول الآية بيانا لشرف الأنبياء والرسل ، وآخرها تهديدا لهؤلاء الكاذبين الذين يزعمون أنهم مستقرون على أديانهم .
واعلم أنه تعالى ذكر عقيب هذه الآية قصصا كثيرة :