( وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير )
قوله تعالى : ( وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير )
اعلم أنه تعالى لما ذكر حكم المطلقة غير الممسوسة إذا لم يفرض لها مهر، تكلم في . وفي الآية مسائل : المطلقة غير الممسوسة إذا كان قد فرض لها مهر
المسألة الأولى : مذهب أن الخلوة لا تقرر المهر، وقال الشافعي : أبو حنيفة تقرر المهر، ويعني بالخلوة الصحيحة : أن يخلو بها وليس هناك مانع حسي ولا شرعي، فالحسي نحو : الرتق والقرن والمرض، أو يكون معهما ثالث وإن كان نائما، والشرعي نحو الحيض والنفاس وصوم الفرض وصلاة الفرض والإحرام المطلق سواء كان فرضا أو نفلا. الخلوة الصحيحة
حجة أن الطلاق قبل المسيس يوجب سقوط نصف المهر ، وهاهنا وجد الطلاق قبل المسيس ، فوجب القول بسقوط نصف المهر. الشافعي
بيان المقدمة الأولى : قوله تعالى : ( وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم ) فقوله : ( فنصف ما فرضتم ) ليس كلاما تاما بل لا بد من إضمار آخر ليتم الكلام، فإما أن يضمر : فنصف ما فرضتم ساقط، أو يضمر : فنصف ما فرضتم ثابت ، والأول هو المقصود، والثاني مرجوح لوجوه :
أحدها : أن المعلق على الشيء بكلمة (إن) عدم ذلك الشيء ظاهرا، فلو حملناه على الوجوب تركنا العمل بقضية التعليق؛ لأنه غير منفي قبله، أما لو حملناه على السقوط، عملنا بقضية التعليق؛ لأنه منفي قبله .
وثانيها : أن قوله تعالى : ( وقد فرضتم لهن فريضة ) يقتضي وجوب كل المهر عليه؛ لأنه لما التزم لزمه الكل لقوله تعالى : ( أوفوا بالعقود ) فلم تكن الحاجة إلى بيان ثبوت النصف قائمة ؛ لأن المقتضي لوجوب الكل مقتض أيضا لوجوب النصف ، إنما المحتاج إليه بيان سقوط النصف؛ لأن عند قيام المقتضي لوجوب الكل كان الظاهر هو وجوب الكل، فكان سقوط البعض في هذا المقام هو المحتاج إلى البيان، فكان [ ص: 121 ] حمل الآية على بيان السقوط أولى من حملها على بيان الوجوب .
وثالثها : أن الآية الدالة على وجوب إيتاء كل المهر قد تقدمت كقوله : ( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ) [البقرة : 129] فحمل الآية على سقوط النصف أولى من حملها على وجوب النصف .
ورابعها : وهو أن المذكور في الآية هو الطلاق قبل المسيس، وكون الطلاق واقعا قبل المسيس يناسب سقوط نصف المهر، ولا يناسب وجوب شيء، فلما كان المذكور في الآية ما يناسب السقوط، لا ما يناسب الوجوب كان إضمار السقوط أولى، وإنما استقصينا في هذه الوجوه لأن منهم من قال : إن معنى الآية : فنصف ما فرضتم واجب، وتخصيص النصف بالوجوب لا يدل على سقوط النصف الآخر، إلا من حيث دليل الخطاب، وهو عند ليس بحجة، فكان غرضنا من هذا الاستقصاء دفع هذا السؤال. أبي حنيفة
بيان المقدمة الثانية وهي أن هاهنا وجد الطلاق قبل المسيس ، هو أن المراد بالمسيس إما حقيقة المس باليد ، أو جعل كناية عن الوقاع، وأيهما كان فقد وجد الطلاق قبله . حجة قوله تعالى : ( أبي حنيفة وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا ) [النساء : 20] إلى قوله : ( وقد أفضى بعضكم إلى بعض ) [النساء : 21] وجه التمسك به من وجهين :
الأول : هو أنه تعالى نهى عن أخذ المهر، ولم يفصل بين الطلاق وعدم الطلاق إلا إن توافقنا على أنه خص الطلاق قبل الخلوة، ومن ادعى التخصيص هاهنا فعليه البيان .
والثاني : أن الله تعالى نهى عن أخذ المهر وعلل بعلة الإفضاء، وهي الخلوة، والإفضاء مشتق من الفضاء، وهو المكان الخالي، فعلمنا أن الخلوة تقرر المهر.
وجوابنا عن ذلك أن الآية التي تمسكوا بها عامة، والآية التي تمسكنا بها خاصة ، والخاص مقدم على العام . والله أعلم.
المسألة الثانية : قوله : ( وقد فرضتم لهن فريضة ) حال من مفعول ( طلقتموهن ) ، والتقدير : طلقتموهن حال ما فرضتم لهن فريضة.