[ ص: 50 ] المسألة الرابعة : الذين قالوا : إن قالوا : إن قوله تعالى : ( اسم المشرك لا يتناول إلا عبدة الأوثان ولا تنكحوا المشركات ) نهي عن ، أما الذين قالوا : إن نكاح الوثنية قالوا : ظاهر قوله تعالى : ( اسم المشرك يتناول جميع الكفار ولا تنكحوا المشركات ) يدل على أنه لا يجوز أصلا ، سواء كانت من أهل الكتاب أو لا ، ثم القائلون بهذا القول اختلفوا فالأكثرون من الأئمة قالوا : إنه يجوز نكاح الكافرة ، وعن للرجل أن يتزوج بالكتابية ابن عمر ومحمد ابن الحنفية والهادي وهو أحد الأئمة الزيدية أن ذلك حرام ، حجة الجمهور قوله تعالى في سورة المائدة : ( والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب ) [المائدة : 5] وسورة المائدة كلها ثابتة لم ينسخ منها شيء قط .
فإن قيل : لم لا يجوز أن يكون المراد منه : من آمن بعد أن كان من أهل الكتاب ؟
قلنا : هذا لا يصح من قبل أنه تعالى أولا أحل المحصنات من المؤمنات ، وهذا يدخل فيه من آمن منهن بعد الكفر ، ومن كن على الإيمان من أول الأمر ؛ ولأن قوله : ( من الذين أوتوا الكتاب ) [المائدة : 5] يفيد حصول هذا الوصف في حالة الإباحة ، ومما يدل على جواز ذلك ما روي أن ، وما ظهر من أحد منهم إنكار على ذلك ، فكان هذا إجماعا على الجواز . الصحابة كانوا يتزوجون بالكتابيات
نقل أن حذيفة تزوج بيهودية أو نصرانية ، فكتب إليه عمر أن خل سبيلها ، فكتب إليه : أتزعم أنها حرام ؟ فقال : لا ولكنني أخاف .
وعن رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : جابر بن عبد الله "نتزوج نساء أهل الكتاب ولا يتزوجون نساءنا " . ويدل عليه أيضا الخبر المشهور ، وهو ما روى رضي الله عنه عبد الرحمن بن عوف " ، ولو لم يكن نكاح نسائهم جائزا لكان هذا الاستثناء عبثا . واحتج القائلون بأنه لا يجوز لأمور : أنه عليه الصلاة والسلام قال في المجوس : " سنوا بهم سنة أهل الكتاب ، غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم
أولها : أن على ما بيناه ، فقوله : ( لفظ المشرك يتناول الكتابية ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ) صريح في تحريم نكاح الكتابية ، والتخصيص والنسخ خلاف الظاهر ، فوجب المصير إليه ، ثم قالوا : وفي الآية ما يدل على تأكيد ما ذكرناه ; وذلك لأنه تعالى قال في آخر الآية : ( أولئك يدعون إلى النار ) والوصف إذا ذكر عقيب الحكم ، وكان الوصف مناسبا للحكم ، فالظاهر أن ذلك الوصف علة لذلك الحكم ، فكأنه تعالى قال : حرمت عليكم نكاح المشركات ؛ لأنهن يدعون إلى النار ، وهذه العلة قائمة في الكتابية ، فوجب القطع بكونها محرمة .
والحجة الثانية لهم : أن ابن عمر سئل عن هذه المسألة فتلا آية التحريم وآية التحليل ، ووجه الاستدلال أن ، فلما تعارض دليل الحرمة تساقطا ، فوجب بقاء حكم الأصل ، وبهذا الطريق لما سئل الأصل في الأبضاع الحرمة عثمان عن ، فقال : أحلتهما آية وحرمتهما آية ، فحكمتم عند ذلك بالتحريم للسبب الذي ذكرناه ، فكذا ههنا . الجمع بين الأختين في ملك اليمين
الحجة الثالثة لهم : حكى في تفسيره عن محمد بن جرير الطبري تحريم أصناف النساء إلا المؤمنات ، واحتج بقوله تعالى : ( ابن عباس ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله ) [المائدة : 5] ، وإذا كان كذلك كانت كالمرتدة في أنه لا يجوز إيراد العقد عليها .
الحجة الرابعة : التمسك بأثر عمر : حكي أن طلحة نكح يهودية ، وحذيفة نصرانية ، فغضب عمر [ ص: 51 ] رضي الله عنه عليهما غضبا شديدا ، فقالا : نحن نطلق يا أمير المؤمنين فلا تغضب . فقال : إن حل طلاقهن فقد حل نكاحهن ، ولكن أنتزعهن منكم .
أجاب الأولون عن الحجة الأولى بأن من قال : اليهودي والنصراني لا يدخل تحت اسم المشرك فالإشكال عنه ساقط ، ومن سلم ذلك قال : إن قوله تعالى : ( والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب ) [المائدة : 5] أخص من هذه الآية ، فإن صحت الرواية أن هذه الحرمة ثبتت ثم زالت جعلنا قوله : ( والمحصنات ) ناسخا ، وإن لم تثبت جعلناه مخصصا ، أقصى ما في الباب أن النسخ والتخصيص خلاف الأصل ، إلا أنه لما كان لا سبيل إلى التوفيق بين الآيتين إلا بهذا الطريق وجب المصير إليه .
أما قوله ثانيا : إن تحريم إنما كان لأنها تدعو إلى النار ، وهذا المعنى قائم في الكتابية ، قلنا : الفرق بينهما أن المشركة متظاهرة بالمخالفة والمناصبة ، فلعل الزوج يحبها ، ثم إنها تحمله على المقاتلة مع المسلمين ، وهذا المعنى غير موجود في الذمية ; لأنها مقهورة راضية بالذلة والمسكنة ، فلا يفضي حصول ذلك النكاح إلى المقاتلة . نكاح الوثنية
أما قوله ثالثا : إن آية التحريم والتحليل قد تعارضتا ، فنقول : لكن آية التحليل خاصة ومتأخرة بالإجماع ، فوجب أن تكون متقدمة على آية التحريم ، وهذا بخلاف الآيتين في الجمع بين الأختين في ملك اليمين ; لأن كل واحدة من تينك الآيتين أخص من الأخرى من وجه وأعم من وجه آخر ، فلم يحصل سبب الترجيح فيه .
أما قوله ههنا : ( والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب ) [المائدة : 5] أخص من قوله : ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ) مطلقا ، فوجب حصول الترجيح .
وأما التمسك بقوله تعالى : ( فقد حبط عمله ) [المائدة : 5] .
فجوابه : أنا لما فرقنا بين الكتابية وبين المرتدة في أحكام كثيرة ، فلم لا يجوز الفرق بينهما أيضا في هذا الحكم ؟
وأما التمسك بأثر عمر فقد نقلنا عنه أنه قال : ليس بحرام ، وإذا حصل التعارض سقط الاستدلال . والله أعلم .