حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن إسحاق ، ثنا محمد بن إسحاق النقلي ، ثنا أبو يونس محمد بن أحمد بن المديني ، ثنا أبو الحارث عثمان بن إبراهيم بن غسان ، ثنا عبد الله بن يحيى بن أبي كثير ، عن أبيه ، قال : دخل سليمان بن عبد الملك المدينة حاجا ، فقال : هل بها رجل أدرك عدة من الصحابة ؟ قالوا : نعم أبو حازم ، فأرسل إليه ، فلما أتاه ، قال : يا أبا حازم ما هذا الجفاء ؟ قال : وأي جفاء رأيت مني يا أمير المؤمنين ؟ قال : وجوه الناس أتوني ولم تأتني ، قال : والله ما عرفتني قبل هذا ولا أنا رأيتك فأي جفاء رأيت مني ؟ فالتفت سليمان إلى ، فقال : أصاب الشيخ وأخطأت أنا ، فقال : الزهري أبا حازم ما لنا نكره الموت ؟ فقال : عمرتم الدنيا وخربتم الآخرة فتكرهون الخروج من العمران إلى الخراب ، قال : صدقت ، فقال : يا يا أبا حازم ليت شعري ما لنا عند الله تعالى غدا ، قال : اعرض عملك على كتاب الله عز وجل ، قال : وأين أجده من كتاب الله تعالى ؟ قال : قال الله تعالى : ( إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم ) ، قال سليمان : ؟ قال فأين رحمة الله أبو حازم : قريب من المحسنين ، قال سليمان : ليت شعري كيف غدا ؟ قال العرض على الله أبو حازم : أما المحسن كالغائب يقدم على أهله ، وأما المسيء كالآبق يقدم به على مولاه ، فبكى سليمان حتى علا نحيبه واشتد بكاؤه ، فقال : يا أبا حازم كيف لنا أن نصلح ؟ قال : تدعون عنكم الصلف ، قال : [ ص: 235 ] يا وتمسكون بالمروءة وتقسمون بالسوية وتعدلون في القضية أبا حازم وكيف المأخذ من ذلك ؟ قال : تأخذه بحقه وتضعه بحقه في أهله ، قال : يا أبا حازم من أفضل الخلائق ؟ قال : أولو المروءة والنهى ، قال : فما ؟ قال : كلمة صدق عند من ترجوه وتخافه ، قال : فما أعدل العدل ؟ قال : دعاء المحسن للمحسنين ، قال : فما أسرع الدعاء إجابة ؟ قال : جهد المقل إلى يد البائس الفقير لا يتبعها من ولا أذى ، قال : يا أفضل الصدقة أبا حازم من ؟ قال : رجل ظفر بطاعة الله تعالى فعمل بها ، ثم دل الناس عليها ، قال : فمن أحمق الخلق ؟ قال : رجل اغتاظ في هوى أخيه وهو ظالم له فباع آخرته بدنياه ، قال : يا أكيس الناس أبا حازم هل لك أن تصحبنا وتصيب منا ونصيب منك ؟ قال : كلا ، قال : ولم ؟ قال : ثم لا يكون لي منه نصير ، قال : يا إني أخاف أن أركن إليكم شيئا قليلا فيذيقني الله ضعف الحياة وضعف الممات أبا حازم ارفع إلي حاجتك ، قال : نعم ، تدخلني الجنة وتخرجني من النار ، قال : ليس ذاك إلي ، قال : فما لي حاجة سواها ، قال : يا أبا حازم فادع الله لي ، قال : نعم ، سليمان من أوليائك فيسره لخير الدنيا والآخرة ، وإن كان من أعدائك فخذ بناصيته إلى ما تحب وترضى ، قال اللهم إن كان سليمان : قط ، قال أبو حازم : قد أكثرت وأطنبت إن كنت أهله ، وإن لم تكن أهله فما حاجتك أن ترمي عن قوس ليس لها وتر ، قال سليمان : يا أبا حازم ما تقول فيما نحن فيه ؟ قال : أوتعفيني يا أمير المؤمنين ؟ قال : بل نصيحة تلقيها إلي ، قال : إن آباءك غصبوا الناس هذا الأمر فأخذوه عنوة بالسيف من غير مشورة ولا اجتماع من الناس ، وقد قتلوا فيه مقتلة عظيمة وارتحلوا ، فلو شعرت ما قالوا وقيل لهم ، فقال رجل من جلسائه : بئس ما قلت ، قال أبو حازم : كذبت إن : ( الله تعالى أخذ على العلماء الميثاق لتبيننه للناس ولا تكتمونه ) ، قال : يا أبا حازم أوصني ، قال : نعم ، سوف أوصيك وأوجز ، ، ثم قام فلما ولى ، قال : يا نزه الله تعالى وعظمه أن يراك حيث نهاك ، أو يفقدك حيث أمرك أبا حازم ، هذه مائة دينار أنفقها ولك عندي أمثالها كثير ، فرمى بها وقال : والله ما أرضاها لك فكيف أرضاها [ ص: 236 ] لنفسي . إني بالله أن يكون سؤالك إياي هزلا ، وردي عليك بذلا ، أعيذك موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام لما ورد ماء مدين ، قال : ( رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ) ، فسأل إن موسى عليه السلام ربه عز وجل ولم يسأل الناس ، ففطنت الجاريتان ولم تفطن الرعاة لما فطنتا إليه ، فأتيا أباهما وهو شعيب عليه السلام فأخبرتاه خبره ، قال شعيب : ينبغي أن يكون هذا جائعا ، ثم قال لإحداهما اذهبي ادعيه ، فلما أتته أعظمته وغطت وجهها ، ثم قالت : ( إن أبي يدعوك ليجزيك ) ، فلما قالت : ( ليجزيك أجر ما سقيت لنا ) ، كره موسى عليه السلام ذلك وأراد أن لا يتبعها ولم يجد بدا من أن يتبعها ؛ لأنه كان في أرض مسبعة وخوف ، فخرج معها وكانت امرأة ذات عجز فكانت الرياح تضرب ثوبها فتصف لموسى عليه السلام عجزها فيغض مرة ويعرض أخرى ، فقال : يا أمة الله كوني خلفي ، فدخل موسى إلى شعيب عليهما السلام والعشاء مهيأ ، فقال : كل ، فقال موسى عليه السلام : لا ، قال شعيب : ألست جائعا ؟ قال : بلى ولكني من أهل بيت لا يبيعون شيئا من عمل الآخرة بملء الأرض ذهبا ، أخشى أن يكون هذا أجر ما سقيت لهما ، قال شعيب عليه السلام : لا يا شاب ولكن هذا عادتي وعادة آبائي قرى الضيف وإطعام الطعام ، قال : فجلس موسى عليه السلام فأكل ، فإن كانت هذه المائة دينار عوضا عما حدثتك فالميتة والدم ولحم الخنزير في حال الاضطرار أحل منه ، وإن كان من مال المسلمين فلي فيها شركاء ونظراء إن وازيتهم وإلا فلا حاجة لي فيها ، بني إسرائيل لم يزالوا على الهدى والتقى حيث كانت أمراؤهم يأتون إلى علمائهم رغبة في علمهم ، فلما نكسوا ونفسوا وسقطوا من عين الله تعالى وآمنوا بالجبت والطاغوت ، كان علماؤهم يأتون إلى أمرائهم ويشاركونهم في دنياهم وشركوا معهم في قتلهم ، قال إن : يا ابن شهاب أبا حازم إياي تعني ، أو بي تعرض ؟ قال :ما إياك اعتمدت ولكن هو ما تسمع ، قال سليمان : يا [ ص: 237 ] تعرفه ؟ قال : نعم ، جاري منذ ثلاثين سنة ما كلمته كلمة قط ، قال ابن شهاب أبو حازم : إنك نسيت الله فنسيتني ولو أحببت الله تعالى لأحببتني ، قال : يا ابن شهاب أبا حازم تشتمني ، قال سليمان : ما شتمك ولكن شتمتك نفسك ، أما علمت أن ؟ فلما ذهب للجار على الجار حقا كحق القرابة أبو حازم ، قال رجل من جلساء سليمان : يا أمير المؤمنين تحب أن يكون الناس كلهم مثل أبي حازم ؟ قال : لا .
حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا ، حدثني أبي ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل يحيى بن عبد الرحمن ، ثنا زمعة بن صالح ، قال : بني أمية إلى أبي حازم يعزم عليه إلا رفع إليه حوائجه ، فكتب إليه : أما بعد ، جاءني كتابك تعزم علي إلا رفعت إليك حوائجي ، وهيهات رفعت حوائجي إلى من لا يختزن الحوائج ، وهو ربي عز وجل فما أعطاني منها قبلت ، وما أمسك عني قنعت . كتب بعض
حدثنا أبي رحمه الله ، ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ، ثنا سفيان بن وكيع ، وحدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أحمد بن محمد بن سعيد ، ثنا أحمد بن عبيدة ، قالا : ثنا ، قال : كتب أمير المؤمنين إلى سفيان بن عيينة أبي حازم ، وقال إبراهيم : سليمان إلى أبي حازم : ارفع إلي حاجتك ، قال : هيهات ، رفعت حاجتي إلى من لا يختزن الحوائج ، فما أعطاني منها قنعت ، وما أمسك عني منها رضيت . كتب