الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  معلومات الكتاب

                                                                  موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين

                                                                  القاسمي - محمد جمال الدين القاسمي

                                                                  صفة الخصماء ورد المظالم

                                                                  اعلم أنه لا ينجو من خطر الميزان إلا من حاسب في الدنيا نفسه ، ووزن فيها بميزان الشرع أعماله وأقواله ، وخطراته ولحظاته ، وإنما حسابه لنفسه أن يتوب عن كل معصية قبل أن يموت توبة نصوحا ، ويتدارك ما فرط من تقصيره في فرائض الله تعالى ; ويرد المظالم حبة بعد حبة ، حتى يموت ولم يبق عليه مظلمة ولا فريضة - فهذا يدخل الجنة بغير حساب ، وإن مات قبل رد المظالم أحاط به خصماؤه فهذا يأخذ بيده - وهذا يقبض على ناصيته - وهذا يقول ظلمتني - وهذا يقول شتمتني - وهذا يقول استهزأت بي - وهذا يقول جاورتني فأسأت جواري - وهذا يقول عاملتني فغششتني - وهذا يقول أخفيت عيب سلعتك عني - وهذا يقول وجدتني مظلوما وكنت قادرا على دفع الظلم عني فما راعيتني . فبينما أنت كذلك وقد أنشبت الخصماء فيك [ ص: 328 ] مخالبهم وأنت مبهوت متحير من كثرتهم ، إذ قرع سمعك نداء الجبار جل جلاله : ( اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم ) [ غافر : 17 ] فعند ذلك ينخلع قلبك وتتذكر ما أنذرك الله على لسان رسوله حيث قال : ( ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رءوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء ) [ إبراهيم : 42 ، 43 ] فما أشد ترحك اليوم بتمضمضك بأعراض الناس وتناولك أموالهم ، وما أشد حسراتك في ذلك اليوم إذا وقف بك على بساط العدل وكشف عن فضائحك ومساويك ، فاحذر من التعرض لسخط الله وعقابه الأليم . واستقم على صراطه المستقيم . فمن استقام في هذا العالم على الصراط المستقيم خف على صراط الآخرة ونجا ، ومن عدل عن الاستقامة في الدنيا ، وأثقل ظهره بالأوزار وعصى ، تعثر في أول قدم من الصراط وتردى .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية