صفة الخصماء ورد المظالم
اعلم أنه لا ينجو من خطر الميزان إلا من حاسب في الدنيا نفسه ، ووزن فيها بميزان الشرع أعماله وأقواله ، وخطراته ولحظاته ، وإنما حسابه لنفسه أن يتوب عن كل معصية قبل أن يموت توبة نصوحا ، ويتدارك ما فرط من تقصيره في فرائض الله تعالى ; ويرد المظالم حبة بعد حبة ، حتى يموت ولم يبق عليه مظلمة ولا فريضة - فهذا يدخل الجنة بغير حساب ، وإن أحاط به خصماؤه فهذا يأخذ بيده - وهذا يقبض على ناصيته - وهذا يقول ظلمتني - وهذا يقول شتمتني - وهذا يقول استهزأت بي - وهذا يقول جاورتني فأسأت جواري - وهذا يقول عاملتني فغششتني - وهذا يقول أخفيت عيب سلعتك عني - وهذا يقول وجدتني مظلوما وكنت قادرا على دفع الظلم عني فما راعيتني . فبينما أنت كذلك وقد أنشبت الخصماء فيك [ ص: 328 ] مخالبهم وأنت مبهوت متحير من كثرتهم ، إذ قرع سمعك نداء الجبار جل جلاله : ( مات قبل رد المظالم اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم ) [ غافر : 17 ] فعند ذلك ينخلع قلبك وتتذكر ما أنذرك الله على لسان رسوله حيث قال : ( ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رءوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء ) [ إبراهيم : 42 ، 43 ] فما أشد ترحك اليوم بتمضمضك بأعراض الناس وتناولك أموالهم ، وما أشد حسراتك في ذلك اليوم إذا وقف بك على بساط العدل وكشف عن فضائحك ومساويك ، فاحذر من التعرض لسخط الله وعقابه الأليم . واستقم على صراطه المستقيم . فمن استقام في هذا العالم على الصراط المستقيم خف على صراط الآخرة ونجا ، ومن عدل عن الاستقامة في الدنيا ، وأثقل ظهره بالأوزار وعصى ، تعثر في أول قدم من الصراط وتردى .