nindex.php?page=treesubj&link=19659حقيقة المراقبة
المراقبة هي ملاحظة الرقيب وانصراف الهم إليه ، ويعنى بها حالة للقلب يثمرها نوع من المعرفة ، وتثمر تلك الحالة أعمالا في الجوارح وفي القلب . أما الحالة فهي مراعاة القلب للرقيب وملاحظته إياه ، وأما المعرفة فهي العلم بأن الله مطلع على الضمائر ، عالم بالسرائر ، رقيب على أعمال العباد ، قائم على كل نفس بما كسبت ، وأن سر القلب في حقه مكشوف كما أن ظاهر البشرة للخلق مكشوف . ثم للمراقب في أعماله نظران : نظر قبل العمل ، ونظر في العمل ، أما قبل العمل فلينظر همه وحركته أهي لله خاصة أو لهوى النفس ومتابعة الشيطان فيتوقف فيه ويتثبت حتى ينكشف له ذلك بنور الحق ، فإن كان لله تعالى أمضاه ، وإن كان لغير الله استحيا من الله وانكف عنه ثم لام نفسه على رغبته فيه وهمه به وميله إليه ، وعرفها سوء فعلها وأنها عدوة نفسها . وأما النظر الثاني للمراقبة عند الشروع في العمل فذلك بتفقد كيفية العمل ليقضي حق الله فيه ، ويحسن النية في إتمامه ، ويتعاطاه على أكمل ما يمكنه .
وهذا ملازم له في جميع أحواله ؛ لأنه لا يخلو إما أن يكون في طاعة أو في معصية أو في مباح ، فمراقبته في الطاعات بالإخلاص والإكمال ومراعاة الأدب وحراستها عن الآفات ، وإن كان في معصية فمراقبته بالتوبة والندم والإقلاع والحياء والاشتغال بالتفكير ، وإن كان في مباح فمراقبته بمراعاة الأدب ، ثم بشهود المنعم في النعمة وبالشكر عليها . ولا يخلو العبد في جملة أحواله عن بلية لا بد له من الصبر عليها ، ونعمة لا بد له من الشكر عليها ، وكل ذلك من المراقبة . بل لا ينفك العبد في كل حال من فرض الله تعالى عليه : إما فعل يلزمه مباشرته ، أو
[ ص: 308 ] محظور يلزمه تركه ، أو ندب حث عليه ليسارع به إلى مغفرة الله تعالى ويسابق به عباد الله ، أو مباح فيه صلاح جسمه وقلبه وفيه عون له على طاعته ، ولكل واحد من ذلك حدود لا بد من مراعاتها بدوام المراقبة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=1ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ) [ الطلاق : 1 ] ومن كان فارغا من الفرائض وقدر على الفضائل فينبغي أن يلتمس أفضل الأعمال ليشتغل بها ، فإن من فاته مزيد ربح وهو قادر على دركه فهو مغبون ، والأرباح تنال بمزايا الفضائل .
nindex.php?page=treesubj&link=19659حَقِيقَةُ الْمُرَاقَبَةِ
الْمُرَاقَبَةُ هِيَ مُلَاحَظَةُ الرَّقِيبِ وَانْصِرَافُ الْهَمِّ إِلَيْهِ ، وَيُعْنَى بِهَا حَالَةٌ لِلْقَلْبِ يُثْمِرُهَا نَوْعٌ مِنَ الْمَعْرِفَةِ ، وَتُثْمِرُ تِلْكَ الْحَالَةُ أَعْمَالًا فِي الْجَوَارِحِ وَفِي الْقَلْبِ . أَمَّا الْحَالَةُ فَهِيَ مُرَاعَاةُ الْقَلْبِ لِلرَّقِيبِ وَمُلَاحَظَتُهُ إِيَّاهُ ، وَأَمَّا الْمَعْرِفَةُ فَهِيَ الْعِلْمُ بِأَنَّ اللَّهَ مُطَّلِعٌ عَلَى الضَّمَائِرِ ، عَالِمٌ بِالسَّرَائِرِ ، رَقِيبٌ عَلَى أَعْمَالِ الْعِبَادِ ، قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ، وَأَنَّ سِرَّ الْقَلْبِ فِي حَقِّهِ مَكْشُوفٌ كَمَا أَنَّ ظَاهِرَ الْبَشَرَةِ لِلْخَلْقِ مَكْشُوفٌ . ثُمَّ لِلْمُرَاقِبِ فِي أَعْمَالِهِ نَظَرَانِ : نَظَرٌ قَبْلَ الْعَمَلِ ، وَنَظَرٌ فِي الْعَمَلِ ، أَمَّا قَبْلَ الْعَمَلِ فَلْيَنْظُرْ هَمَّهُ وَحَرَكَتَهُ أَهِيَ لِلَّهِ خَاصَّةً أَوْ لِهَوَى النَّفْسِ وَمُتَابَعَةِ الشَّيْطَانِ فَيَتَوَقَّفُ فِيهِ وَيَتَثَبَّتُ حَتَّى يَنْكَشِفَ لَهُ ذَلِكَ بِنُورِ الْحَقِّ ، فَإِنْ كَانَ لِلَّهِ تَعَالَى أَمْضَاهُ ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ اللَّهِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ وَانْكَفَّ عَنْهُ ثُمَّ لَامَ نَفْسَهُ عَلَى رَغْبَتِهِ فِيهِ وَهَمِّهِ بِهِ وَمَيْلِهِ إِلَيْهِ ، وَعَرَّفَهَا سُوءَ فِعْلِهَا وَأَنَّهَا عَدُوَّةُ نَفْسِهَا . وَأَمَّا النَّظَرُ الثَّانِي لِلْمُرَاقَبَةِ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ فَذَلِكَ بِتَفَقُّدِ كَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ لِيَقْضِيَ حَقَّ اللَّهِ فِيهِ ، وَيُحْسِنَ النِّيَّةَ فِي إِتْمَامِهِ ، وَيَتَعَاطَاهُ عَلَى أَكْمَلِ مَا يُمْكِنُهُ .
وَهَذَا مُلَازِمٌ لَهُ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي طَاعَةٍ أَوْ فِي مَعْصِيَةٍ أَوْ فِي مُبَاحٍ ، فَمُرَاقَبَتُهُ فِي الطَّاعَاتِ بِالْإِخْلَاصِ وَالْإِكْمَالِ وَمُرَاعَاةِ الْأَدَبِ وَحِرَاسَتِهَا عَنِ الْآفَاتِ ، وَإِنْ كَانَ فِي مَعْصِيَةٍ فَمُرَاقَبَتُهُ بِالتَّوْبَةِ وَالنَّدَمِ وَالْإِقْلَاعِ وَالْحَيَاءِ وَالِاشْتِغَالِ بِالتَّفْكِيرِ ، وَإِنْ كَانَ فِي مُبَاحٍ فَمُرَاقَبَتُهُ بِمُرَاعَاةِ الْأَدَبِ ، ثُمَّ بِشُهُودِ الْمُنْعِمِ فِي النِّعْمَةِ وَبِالشُّكْرِ عَلَيْهَا . وَلَا يَخْلُو الْعَبْدُ فِي جُمْلَةِ أَحْوَالِهِ عَنْ بَلِيَّةٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنَ الصَّبْرِ عَلَيْهَا ، وَنِعْمَةٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنَ الشُّكْرِ عَلَيْهَا ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ الْمُرَاقَبَةِ . بَلْ لَا يَنْفَكُّ الْعَبْدُ فِي كُلِّ حَالٍ مِنْ فَرْضِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ : إِمَّا فِعْلٍ يَلْزَمُهُ مُبَاشَرَتُهُ ، أَوْ
[ ص: 308 ] مَحْظُورٍ يَلْزَمُهُ تَرْكُهُ ، أَوْ نَدْبٍ حَثَّ عَلَيْهِ لِيُسَارِعَ بِهِ إِلَى مَغْفِرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَيُسَابِقَ بِهِ عِبَادَ اللَّهِ ، أَوْ مُبَاحٍ فِيهِ صَلَاحُ جِسْمِهِ وَقَلْبِهِ وَفِيهِ عَوْنٌ لَهُ عَلَى طَاعَتِهِ ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ حُدُودٌ لَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاتِهَا بِدَوَامِ الْمُرَاقَبَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=1وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ) [ الطَّلَاقِ : 1 ] وَمَنْ كَانَ فَارِغًا مِنَ الْفَرَائِضِ وَقَدَرَ عَلَى الْفَضَائِلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْتَمِسَ أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ لِيَشْتَغِلَ بِهَا ، فَإِنَّ مَنْ فَاتَهُ مَزِيدُ رِبْحٍ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى دَرْكِهِ فَهُوَ مَغْبُونٌ ، وَالْأَرْبَاحُ تُنَالُ بِمَزَايَا الْفَضَائِلِ .