الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  معلومات الكتاب

                                                                  موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين

                                                                  القاسمي - محمد جمال الدين القاسمي

                                                                  الحق الثاني في الإعانة بالنفس

                                                                  وذلك في قضاء الحاجات والقيام بها قبل السؤال وتقديمها على الحاجات الخاصة ، وهذه أيضا لها درجات فأدناها القيام بالحاجة عند السؤال والقدرة ولكن مع البشاشة والاستبشار [ ص: 131 ] وإظهار الفرح وقبول المنة ، قال بعضهم : " وإذا استقضيت أخاك حاجة فلم يقضها فذكره ثانية فلعله أن يكون قد نسي ، فإن لم يقضها فكبر عليه " واقرأ هذه الآية : ( والموتى يبعثهم الله ) [ الأنعام : 36 ] . وكان في السلف من يتفقد عيال أخيه وأولاده بعد موته أربعين سنة يقوم بحاجتهم يتردد كل يوم إليهم ويمونهم من ماله فكانوا لا يفقدون من أبيهم إلا عينه ، بل كانوا يرون منهم ما لم يروا من أبيه في حياته . وكان أحدهم يتردد إلى باب دار أخيه يقوم بحاجته من حيث لا يعرفه أخوه وبهذا تظهر الشفقة . والأخوة إذا لم تثمر الشفقة حتى يشفق على أخيه كما يشفق على نفسه فلا خير فيها . وقال " ميمون بن مهران " : " من لم تنتفع بصداقته لم تضرك عداوته " . وبالجملة فينبغي أن تكون حاجة أخيك مثل حاجتك أو أهم من حاجتك ، وأن تكون متفقدا لأوقات الحاجة غير غافل عن أحواله كما لا تغفل عن أحوال نفسك ، وتغنيه عن السؤال إلى الاستعانة ، ولا ترى لنفسك حقا بسبب قيامك بها بل تتقلد منة بقبول سعيك في حقه وقيامك بأمره . وقال " عطاء " : " تفقدوا إخوانكم بعد ثلاث فإن كانوا مرضى فعودوهم أو مشاغيل فأعينوهم أو كانوا نسوا فذكروهم " . وقال " سعيد بن العاص " : " لجليسي علي ثلاث : إذا دنا رحبت به ، وإذا حدث أقبلت عليه ، وإذا جلس أوسعت له " . وقد قال تعالى : ( رحماء بينهم ) [ الفتح : 29 ] إشارة إلى الشفقة والإكرام . ومن تمام الشفقة أن لا ينفرد بطعام لذيذ أو بحضور في مسرة دونه ، بل يتنغص لفراقه ويستوحش بانفراده عن أخيه .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية