( ومنها ) فإن اشتراه وهو يراه فلا خيار له ; لأن الأصل هو لزوم العقد وانبرامه ; لأن ركن العقد وجد مطلقا عن شرط إلا أنا عرفنا ثبوت الخيار شرعا بالنص ، والنص ورد بالخيار فيما لم يره المشتري لقوله صلى الله عليه وسلم { عدم الرؤية } ، فبقي الخيار عند الرؤية مبقيا على الأصل وإن كان المشتري لم يره وقت الشراء ، ولكن كان قد رآه قبل ذلك نظر في ذلك إن كان المبيع وقت الشراء على حاله التي كان عليها لم تتغير - فلا خيار له ; لأن الخيار ثبت معدولا به عن الأصل بالنص الوارد في شراء ما لم يره [ ص: 293 ] وهذا قد اشترى شيئا قد رآه فلا يثبت له الخيار ، وإن كان قد تغير عن حاله فله الخيار ; لأنه إذا تغير عن حاله فقد صار شيئا آخر فكان مشتريا شيئا لم يره فله الخيار إذا رآه . من اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار إذا رآه
ولو اختلفا في التغير وعدمه فقال البائع : لم يتغير ، وقال المشتري : قد تغير ، فالقول قول البائع ; لأن الأصل عدم التغير والتغير عارض فكان البائع متمسكا بالأصل والمشتري مدعيا أمرا عارضا ، فكان القول قول البائع لكن مع يمينه ; لأن حق الرد أمر يجري فيه البدل والإقرار فيجري فيه الاستحلاف ولأن المشتري بدعوى التغير يدعي حق الرد والبائع ينكر فكان القول قول المنكر ولو اختلفا فقال البائع للمشتري : رأيته وقت الشراء وقال المشتري : لم أره ، فالقول قول المشتري ; لأن عدم الرؤية أصل والرؤية عارض فكان الظاهر شاهدا للمشتري فكان القول قوله مع يمينه ; ولأن البائع بدعوى الرؤية يدعي عليه إلزام العقد والمشتري ينكر فكان القول قوله .
ولو فالقول قوله أنه بعينه ، وكذلك هذا في خيار الشرط بخلاف خيار العيب فإن القول قول البائع ( ووجه ) الفرق أن المشتري في خيار الرؤية والشرط بقوله : هذا مالك ، لا يدعي ثبوت حق الرد عليه ; لأن حق الرد ثابت له حتى يرد عليه من غير قضاء ولا رضا ، ولكنه يدعي أن هذا الذي قبضه منه ، فكان اختلافهما في الحقيقة راجعا إلى المقبوض ، والاختلاف متى وقع في تعيين نفس المقبوض فإن القول فيه قول القابض ، وإن كان قبضه بغير حق كقبض الغصب ففي القبض الحق أولى ، بخلاف العيب ; لأن المشتري لا ينفرد بالرد في خيار العيب ، ألا ترى أنه لا يملك الرد إلا بقضاء القاضي أو التراضي ؟ فكان هو بقوله : هذا مالك بعينه ، مدعيا حق الرد في هذا المعين ، والبائع ينكر ثبوت حق الرد فيه فكان القول قوله . أراد المشتري الرد فاختلفا فقال البائع : ليس هذا الذي بعتك ، وقال المشتري : هو ذاك بعينه
هذا إذا كان المشتري بصيرا ، فأما ; لأن هذه الأشياء في حقه بمنزلة الرؤية في حق البصير ، فكان انعدامها شرطا لثبوت الخيار له ، فإن وجد شيء منه وقت الشراء فاشتراه فلا خيار له ، وكذا إذا وجدت قبل القبض ثم قبض فلا خيار له ; لأن وجود شيء من ذلك عند القبض في حقه بمنزلة وجوده عند العقد كالرؤية في حق البصير بأن رآه قبل القبض ثم قبضه ; لأن كل ذلك دلالة الرضا بلزوم العقد على ما نذكره إن شاء الله تعالى هذا الذي ذكرنا إذا رأى المشتري كل المبيع وقت الشراء . إذا كان أعمى فشرط ثبوت الخيار له عدم الحبس فيما يحبس والذوق فيما يذاق والشم فيما يشم والوصف فيما يوصف وقت الشراء