ثم الكلام في في الأصل في موضعين : أحدهما : في جوازه ، والثاني : في بيان ما يدخل تحت البراءة من العيب أما الكلام في جوازه ، فقد مر في موضعه ، وإنما الحاجة ههنا إلى بيان البيع بشرط البراءة ، فنقول وبالله التوفيق البراءة لا تخلو إما أن كانت عامة بأن قال : بعت على أني بريء من [ ص: 277 ] العيوب أو قال : من كل عيب . ما يدخل تحت البراءة من العيب
وأما أن كانت خاصة بأن قال : من عيب كذا ، وسماه وكل ذلك لا يخلو من ثلاثة أوجه إما أن ، وإما أن أطلقها إطلاقا . قيد البراءة بعيب قائم حالة العقد
وإما أن أضافها إلى عيب يحدث في المستقبل ، فإن قيدها بعيب قائم حالة العقد لا يتناول العيب الحادث بعد البيع قبل القبض بلا خلاف سواء كانت البراءة عامة بأن قال أبرأتك من كل عيب به أو خاصة بأن قال أبرأتك مما به من عيب كذا ; لأن اللفظ المقيد بوصف لا يتناول غير الموصوف بتلك الصفة ، وإن أطلقها إطلاقا دخل فيه القائم ، والحادث عند ، وعند أبي يوسف لا يدخل فيه الحادث ، وله أن يرده وهو قول محمد . زفر
( وجه ) قول أن الإبراء عن العيب يقتضي ، وجود العيب ; لأن الإبراء عن المعدوم لا يتصور ، والحادث لم يكن موجودا عند البيع ، فلا يدخل تحت الإبراء ، فلو دخل إنما يدخل بالإضافة إلى حالة الحدوث ، والإبراء لا يحتمل الإضافة ; لأن فيه معنى التمليك حتى يرتد بالرد ، ولهذا لم يدخل الحادث عند الإضافة إليه نصا ، فعند الإطلاق أولى ( وجه ) قول محمد أن لفظ الإبراء يتناول الحادث نصا ، ودلالة ( أما ) النص ، فإنه عم البراءة عن العيوب كلها أو خصها بجنس من العيوب على الإطلاق نصا ، فتخصيصه أو تقييده بالموجود عند العقد لا يجوز إلا بدليل ( وأما ) الدلالة ، فهي أن غرض البائع من هذا الشرط هو انسداد طريق الرد ، ولا ينسد إلا بدخول الحادث ، فكان داخلا فيه دلالة . أبي يوسف
( وأما ) قول إن هذا إبراء عما ليس بثابت ، فعبارة الجواب عن هذا الحرف من وجهين أحدهما أن يقال : هذا ممنوع بل هو إبراء عن الثابت لكن تقديرا ، وبيانه من وجهين : أحدهما : أن العيب الحادث قبل القبض كالموجود عند العقد ، ولهذا يثبت حق الرد به ، كما يثبت بالموجود عند العقد ، ولما ذكرنا أن القبض حكم العقد ، فكان هذا إبراء عن حق ثابت تقديرا ، والثاني : أن سبب حق الرد موجود ، وهو البيع ; لأن البيع يقتضي تسليم المعقود عليه سليما عن العيب ، فإذا عجز عن تسليمه بصفة السلامة يثبت له حق الرد ليسلم له الثمن ، فكان ، وجود تسليم المبيع سببا لثبوت حق الرد ، والبيع سبب لوجود تسليم المبيع ، فكان ثبوت حق الرد بهذه الوسائط حكم البيع السابق ، والبيع سبب ، فكان هذا إبراء عن حق الرد بعد ، وجود سببه ، وسبب الشيء إذا ، وجد يجعل هو ثبوتا تقديرا لاستحالة خلو الحكم عن السبب ، فكان إبراء عن الثابت تقديرا . محمد
ولهذا صح ; لكون الجرح سبب السراية ، فكان إبراء عما يحدث من الجرح تقديرا ، وكذا الإبراء عن الجراحة يصح ، وإن كانت الأجرة لا تملك عندنا بنفس العقد لما قلنا كذا هذا ، والثاني : أن هذا إبراء عن حق ليس بثابت لكن بعد وجود سببه ، وهو البيع ، وأنه صحيح كالإبراء عن الجرح والإبراء عن الأجرة على ما بينا بخلاف الإبراء عن كل حق له أنه لا يتناول الحادث ; لأن الحادث معدوم للحال بنفسه وبسببه ، فلو انصرف إليه الإبراء ; لكان ذلك إبراء عما ليس بثابت أصلا لا حقيقة ، ولا تقديرا لانعدام سبب الحق ، فلم ينصرف إليه ، وقوله لو تناول الحادث ; لكان هذا تعليق البراءة بشرط أو الإضافة إلى وقت ممنوع بل هذا إبراء عن حق ثابت ، وقت الإبراء تقديرا لما بينا من الوجهين ، فلم يكن هذا تعليقا ، ولا إضافة ، فيصح والله عز وجل أعلم ، وإن أضافها إلى عيب حادث بأن الإبراء عن الأجرة قبل استيفاء المنفعة ، فالبيع بهذا الشرط فاسد عندنا ; لأن الإبراء لا يحتمل الإضافة ; لأنه . قال : على أني بريء من كل عيب يحدث بعد البيع
وإن كان إسقاطا ، ففيه معنى التمليك ; ولهذا لا يحتمل الارتداد بالرد ، ولا يحتمل الإضافة إلى زمان في المستقبل نصا ، كما لا يحتمل التعليق بالشرط ، فكان هذا بيعا أدخل فيه شرطا فاسدا ، فيوجب فساد البيع ، ولو ، فإن كانت البراءة مطلقة ، فهذا لا يتفرع على قول اختلفا في عيب ، فقال البائع : هو كان موجودا عند العقد ، فدخل تحت البراءة ، وقال المشتري : بل هو حادث لم يدخل تحت البراءة ; لأن العيب الحادث داخل تحت البراءة المطلقة عنده ، فأما على قول أبي يوسف ، فالقول قول البائع مع يمينه ، وقال محمد ، زفر القول قول المشتري . والحسن بن زياد
( وجه ) قولهما أن المشتري هو المبرئ ; لأن البراءة تستفاد من قبله ، فكان القول فيما أبرأ ، قوله ( وجه ) قول أن البراءة عامة ، والمشتري يدعي حق الرد بعموم البراءة عن حق الرد بالعيب ، والبائع ينكر ، فكان القول قوله ، كما لو أبرأه عن الدعاوى كلها ، ثم ادعى شيئا مما في يده ، وهو ينكر كان القول قوله دون المشتري لما قلنا كذا هذا ، ولو كانت مقيدة بعيب يكون [ ص: 278 ] عند العقد ، فاختلف البائع ، والمشتري على نحو ما ذكرنا ، فالقول قول المشتري ; لأن البراءة المقيدة بحال العقد لا تتناول إلا الموجود حالة العقد ، والمشتري يدعي العيب لأقرب الوقتين ، والبائع يدعيه لأبعدهما ، فكان الظاهر شاهدا للمشتري ، وهذا ; لأن عدم العيب أصل ، والوجود عارض ، فكان إحالة الموجود إلى أقرب الوقتين أقرب إلى الأصل ، والمشتري يدعي ذلك ، فكان القول قوله . محمد
ولو لا يبطل بهذا الكلام حقه في الرد بالعيب ، وله أن يرده ; لأن مثل هذا الكلام في المتعارف لا يراد به حقيقة ، وإنما يذكر لترويج السلعة ، ولأن ظاهره كذب ; لأنه نفى عنه العيوب كلها ، والآدمي لا يخلو عن عيب ، فالتحق بالعدم وصار كأنه لم يتكلم به ، ولو اشترى عبدا ، وقبضه فساومه رجل ، فقال المشتري : اشتره ، فإنه لا عيب به ، ثم لم يتفق البيع بينهما ، ثم وجد المشتري به عيبا ، وأقام البينة على أن هذا العيب كان عند البائع ، فقال له البائع : إنك أقررت أنه لا عيب به ، فقد أكذبت شهودك ، فإن كان ذلك نوعا آخر سوى النوع الذي عينه له أن يرده ; لأنه لا إقرار منه بهذا النوع ، وإن كان من النوع الذي عين ينظر إن كان مما يحدث مثله في مثل تلك المدة ليس له حق الرد ; لأن مثل هذا الكلام يراد به التحقيق في المتعارف لا ترويج السلعة ، فصار مناقضا ; ولأن الآدمي يخلو عن عيب معين ، فلم يتعين بكذبه ، وإن كان مما لا يحدث مثله في مثل تلك المدة له حق الرد ; لأنا تيقنا بكذبه حقيقة ، فالتحق كلامه بالعدم . عين نوعا من العيوب بأن قال : اشتره ، فإنه ليس به عيب كذا ، ثم وجد به عيبا ، وأراد الرد
ولو ، فعلى قول أبرأه عن عيب ، واحد شجة أو جرح ، فوجد شجتين أو جرحين الخيار للبائع يبرأ من أيهما شاء ، وعلى قول أبي يوسف الخيار للمشتري يرد أيهما شاء ، وفائدة هذا الاختلاف إنما تظهر عند امتناع الرد باعتراض أسباب الامتناع من هلاك المبيع أو حدوث عيب آخر في يد المشتري أو غير ذلك من الأسباب المانعة من الرد ، وأراد الرجوع بنقصان العيب ، فأما عند إمكان الرد ، فلا تظهر فائدة في هذا الاختلاف ( وجه ) قول محمد أن الإبراء يستفاد من قبل المشتري ، والاحتمال جاء من قبله حيث أطلق البراءة إلى شجة واحدة غير عين ، وإذا كان الإجمال منه كان البيان إليه . محمد
( وجه ) قول أن الإبراء ، وإن كان من المشتري لكن منفعة الإبراء عائدة إلى البائع ، فصار كأن المشتري ، فوض التعيين إليه ، فكان الخيار له ، ولو أبرأه من كل داء روى أبي يوسف الحسن عن أنه يقع عن الباطن ; لأن الظاهر يسمى مرضا لا داء . أبي حنيفة
وروي عن أنه يقع عن الظاهر والباطن جميعا ; لأن الكل داء ، ولو أبرأه من كل غائلة ، فهي على السرقة ، والإباق والفجور وكل ما كان من فعل الإنسان مما يعده التجار عيبا كذا روي عن أبي يوسف ; لأن الغائلة هي الجناية ، وهي التي تكتب في عهدة المماليك لا داء ، ولا غائلة على ما { أبي يوسف محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم من العداء بن خالد بن هوذة عبدا أو أمة لا داء به ، ولا غائلة بيع المسلم من المسلم } ، والله عز وجل أعلم . كتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم حينما اشترى عبدا أو أمة ، وهذا ما اشترى