( وأما ) ; لأنها ليست من ذوات الأمثال لتفاوت فاحش بين ثوب وثوب ، ولهذا لم تضمن بالمثل في ضمان العدديات بل بالقيمة فأشبه السلم في اللآلئ والجواهر ، إلا أنا استحسنا الجواز لقوله عز وجل في آية الدين : { الذرعيات كالثياب ، والبسط ، والحصير ، والبواري ونحوها فالقياس أن لا يجوز السلم فيها ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله } ، والمكيل والموزون لا يقال : فيه الصغير والكبير ، وإنما يقال ذلك في الذرعيات ، والعدديات ، ولأن الناس تعاملوا السلم في الثياب لحاجتهم إلى ذلك فيكون إجماعا منهم على الجواز فيترك القياس بمقابلته ، ولأنه إذا بين جنسه وصفته ونوعه [ ص: 209 ] ورفعته وطوله وعرضه يتقارب التفاوت فيلحق بالمثل في باب السلم شرعا لحاجة الناس ، ولا حاجة إلى الإلحاق بالمثل في باب الاستهلاك مع ما أن هذا الاعتبار غير سديد ; لأنه قد يحتمل في المعاملات من التفاوت اليسير ما لا يحتمل مثله في الإتلافات فإن الأب إذا باع مال ولده بغبن يسير جاز ولا يضمن ، ولو أتلف عليه شيئا يسيرا من ماله يضمن فلا يستقيم الاستبدال .
هذا إذا أسلم في ثوب الكرباس أو الكتان ، فأما إذا إن كان مما تختلف قيمته باختلاف وزنه من القلة والكثرة بعد التساوي في الجنس والنوع والصفة والرفعة والطول والعرض يشترط ; لأن بعد بيان هذه الأشياء تبقى جهالته مفضية إلى المنازعة ، وإن كان مما لا يختلف يجوز ; لأن جهالة الوزن فيه لا تفضي إلى المنازعة ولا يجوز أسلم في ثوب الحرير فهل يشترط فيه بيان الوزن بعد بيان الجنس والنوع والصفة والرفعة والطول والعرض ؟ من الحيوان ، والجواهر ، واللآلئ ، والجوز ، والجلود ، والأدم ، والرءوس ، والأكارع ، والبطيخ ، والقثاء ، والرمان ، والسفرجل ونحوها من العدديات المتفاوتة ; لأنه لا يمكن ضبطها بالوصف إذ يبقى بعد بيان جنسها ونوعها وصفتها وقدرها جهالة فاحشة مفضية إلى المنازعة لتفاوت فاحش بين جوهر وجوهر ، ولؤلؤ ولؤلؤ ، وحيوان وحيوان ، وكذا بين جلد وجلد ، ورأس ورأس في الصغر ، والكبر ، والسمن ، والهزال ، وقال السلم في العدديات المتفاوتة رحمه الله : يجوز السلم في الحيوان . الشافعي
( وجه ) قوله : أن المانع من الجواز هنا جهالة المسلم فيه ، وقد زالت ببيان الجنس ، والنوع ، والصفة ، والسن ; لأن الحيوان معلوم الجنس والنوع والصفة فكان مضبوط الوصف ، والتفاوت فيما وراء ذلك لا يعتبر ، ولهذا وجب دينا في الذمة في النكاح فأشبه الثياب .
( ولنا ) أن بعد بيان هذه الأشياء يبقى بين فرس وفرس تفاوت فاحش في المالية فتبقى جهالة مفضية إلى المنازعة ، وإنها مانعة صحة العقد لما ذكرنا من الوجوه فيما قبل ، وقد روي عن رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { ابن عباس } ، والسلف والسلم واحد في اللغة ، والاعتبار بالنكاح غير سديد ; لأنه يتحمل جهالة لا يتحملها البيع ، ألا ترى أنه يصح من غير ذكر البدل وببدل مجهول ، وهو مهر المثل ولا يصح البيع ، إلا ببدل معلوم فلا يستقيم الاستدلال ولا يجوز نهى عن السلف في الحيوان ; لأن التفاوت بين الحمل والحمل ، والوقر والوقر مما يفحش ، إلا إذا أسلم فيه بقبان معلوم من قبابين التجار فلا يختلف فيجوز ، ولا يجوز السلم في التبن أحمالا أو أوقارا للتفاوت الفاحش بين حزمة وحزمة ، ووقر ووقر ، وكذا في القصب ، والحشيش ، والعيدان ، إلا إذا وصفه بوصف يعرف ويتقارب التفاوت فيجوز ، ويجوز السلم في اللبن ، والآجر إذا سمى ملبنا معلوما لا يختلف ولا يتفاوت إلا يسيرا . السلم في الحطب حزما ولا أوقارا
وكذا في الطوابيق إذا وصفها بوصف يعرف على وجه لا يبقى بعد الوصف جهالة مفضية إلى المنازعة ; لأن الفساد للجهالة ، فإذا صار معلوما بالوصف جاز ، وكذا في طشت أو قمقمة أو خفين أو نحو ذلك إن كان يعرف يجوز ، وإن كان لا يعرف لا يجوز ; لأن المسلم فيه دين حقيقة ، والدين يعرف بالوصف ، فإن كان مما يحصل تمام معرفته بالوصف بأن لم تبق فيه جهالة مفضية إلى المنازعة جاز السلم فيه ، وإلا فلا ، ولو استصنع رجل شيئا من ذلك بغير أجل جاز استحسانا .