( وأما ) الحيوان مع اللحم فإن اختلف الأصلان فهما جنسان مختلفان كالشاة الحية مع لحم الإبل ، والبقر فيجوز بيع البعض بالبعض مجازفة نقدا ، ونسيئة ; لانعدام الوزن ، والجنس فلا يتحقق الربا أصلا ، وإن اتفقا كالشاة الحية مع لحم الشاة ، من مشايخنا من اعتبرهما جنسين مختلفين ، وبنوا عليه جواز عند بيع لحم الشاة بالشاة الحية مجازفة ، أبي حنيفة ، وعللوا لهما بأنه باع الجنس بخلاف الجنس . وأبي يوسف
( ومنهم ) من اعتبرهما جنسا واحدا ، وبنوا مذهبهما على أن الشاة ليست بموزونة ، وجريان ربا الفضل يعتمد اجتماع الوصفين : الجنس مع القدر فيجوز بيع أحدهما بالآخر مجازفة ، ومفاضلة بعد أن يكون يدا بيد ، وهو الصحيح على ما عرف في الخلافيات ، وقال : لا يجوز إلا على ، وجه الاعتبار على أن يكون وزن اللحم الخالص أكثر من اللحم الذي في الشاة الحية بالحزر والظن فيكون اللحم بإزاء اللحم ، والزيادة بإزاء خلاف الجنس من الأطراف ، والسقط من الرأس ، والأكارع ، والجلد ، والشحم فإن كان اللحم الخالص مثل قدر اللحم الذي في الشاة الحية ، أو أقل ، أو لا يدرى لا يجوز . محمد
وعلى هذا الخلاف إذا ، وهذا مذهب أصحابنا ، وقال باع الشاة الحية بشحم الشاة ، أو بأليتها رحمه الله : اللحوم كلها جنس واحد فلا يجوز الشافعي كيف ما كان سواء اتفق الأصلان ، أو اختلفا باع مجازفة ، أو على طريق الاعتبار ، وأجمعوا على أنه لا يجوز بيع اللحم بالحيوان لوجود الجنس المحرم للنساء ; لأن اللحم الخالص من جنس اللحم الذي في الشاة [ ص: 190 ] بيع الشاة بلحم الشاة نسيئة
وأجمعوا على أنه لا يجوز إلا على طريق الاعتبار ، وهو أن يكون الدهن الخالص أكثر من الدهن الذي في السمسم حتى يكون الدهن بإزاء الدهن والزائد بإزاء الزائد خلاف جنسه وهو الكسب ، وكذلك دهن الجوز بلب الجوز . بيع دهن السمسم بالسمسم
( وأما ) فقد اختلف المشايخ فيه ، قال بعضهم : يجوز مجازفة ، وقال بعضهم : لا يجوز إلا على طريق الاعتبار ، وأجمعوا على أن دهن الجوز بالجوز جائز مجازفة بعد أن يكون يدا بيد ، أما الكلام مع بيع النصال بالحديد غير المصنوع رحمه الله فهو بنى مذهبه على أصل له ذكرناه غير مرة ، وهو أن حرمة بيع مأكول بجنسه هو العزيمة ، والجواز عند التساوي في المعيار الشرعي رخصة ، ولا يعرف التساوي بين اللحم الخالص وبين اللحم الذي في الشاة فيبقى على أصل الحرمة ، وقد أبطلنا هذا الأصل في علة الربا . الشافعي
( وأما ) الكلام مع أصحابنا ( فوجه ) قول رحمه الله أن في تجويز المجازفة ههنا احتمال الربا ; فوجب التحرز عنه ما أمكن ، وأمكن بمراعاة طريق الاعتبار فلزم مراعاته قياسا على بيع الدهن بالسمسم ، والدليل على أن فيه الربا أن اللحم موزون ، فيحتمل أن يكون اللحم المنزوع أقل من اللحم الذي في الشاة وزنا ، فيكون شيء من اللحم مع السقط زيادة ، ويحتمل أن يكون مثله في الوزن فيكون السقط زيادة فوجب مراعاة طريق الاعتبار تحرزا عن الربا عند الإمكان ، ولهذا لم يجز بيع الدهن بالسمسم ، والزيت بالزيتون إلا على طريق الاعتبار كذا هذا ، ولهذا قلنا : إن هذا بيع الموزون بما ليس بموزون يدا بيد فيجوز مجازفة ومفاضلة ، استدلالا ببيع الحديد الغير المصنوع بالنصال مجازفة ، يدا بيد ، ودلالة الوصف أن اللحم المنزوع وإن كان موزونا - فاللحم الذي في الشاة ليس بموزون ; لأن الموزون ما له طريق إلى معرفة مقدار ثقله ، ولا طريق إلى معرفة ثقل اللحم الذي في الشاة ; لأن الطريق إما أن يكون الوزن بالقبان ، وإما أن يكون الاستدلال بالتجربة ، وإما أن يكون بالحزر والتخمين من غير تفاوت فاحش ، وشيء من ذلك لا يصلح طريقا لمعرفة مقدار اللحم الذي في الشاة . محمد
( أما ) الوزن بالقبان فلأن الشاة لا توزن بالقبان عرفا ولا عادة ، ولو صلح الوزن طريقا لوزن ; لأن إمكان الوزن ثابت ، والحاجة إلى معرفة مقدار اللحم الذي فيها ماسة حتى يتعرف المشتري ذلك بالجس والمس باليد ، والرفع من الأرض ونحو ذلك ، ولأن الحي يثقل بنفسه مرة ويخف أخرى فيختلف وزنه ، فدل أن الوزن لا يصلح طريق المعرفة .
( وأما ) التجربة فإن ذلك بالذبح ، ووزن المذبوح ليعرف اللحم الذي كان فيها عند العقد بطريق الظهور - لا يمكن ; لأن الشاة تحتمل الزيادة والنقصان والسمن والهزال ساعة فساعة ، فلا يعرف به مقدار ثقله حالة العقد بالتجربة .
( وأما ) الحزر والظن فإنه لا حزر لمن لا بصارة له في هذا الباب ، بل يخطئ لا محالة ، ومن له بصارة يغلط أيضا ظاهرا وغالبا ، ويظهر تفاوت فاحش ، فدل أنه لا طريق لمعرفة اللحم الذي في الشاة الحية ، فلم يكن موزونا ، فلا يكون محلا لربا الفضل ، بخلاف بيع دهن السمسم بالسمسم ; لأن ذلك بيع الموزون بالموزون ; لأنه يمكن معرفة مقدار الدهن في السمسم بالتجربة ، بأن يوزن قدر من السمسم فيستخرج دهنه فيظهر وزن دهنه الذي في الجملة بالقياس عليه ، أو يعصر الجملة فيظهر قدر الدهن الذي كان فيها حالة العقد ، أو يعرف بالحزر والتخمين أنه كم يخرج من الدهن من هذا القدر من غير تفاوت فاحش يلحق الضرر بأحد العاقدين ؟ فكان ذلك بيع الموزون بالموزون مجازفة ، فلم يجز لاحتمال الربا والله سبحانه وتعالى أعلم ولو - لا يجوز إلا على طريق الاعتبار بالإجماع ; لأن اللحم الذي في الشاة المذبوحة موزون ، فقد باع الموزون بجنسه وبخلاف جنسه ، فيراعى فيه طريق الاعتبار ، بخلاف اللحم الذي في الشاة الحية فإنه غير موزون لما قلنا ، فلم يتحقق الربا ، فجازت المجازفة فيه ولو باع شاة مذبوحة غير مسلوخة بلحم شاة جاز بالإجماع ، أما عندهما فظاهر ; لأنه باع الموزون بما ليس بموزون فلا يتحقق الربا ، كما لو باع شاة حية بلحم الشاة وأما عند باع شاة حية بشاة مذبوحة غير مسلوخة مجازفة فلأن اللحم يقابل اللحم ، وزيادة اللحم في إحداهما مع سقطها يكون بمقابلة سقط الأخرى ، فلا يتحقق الربا وكذلك لو محمد جاز بالإجماع على اختلاف الأصلين ولو باع شاتين حيتين بشاة واحدة مذبوحة غير مسلوخة يجوز ويكون اللحم بمقابلة اللحم ، وزيادة اللحم في أحد الجانبين مع السقط يكون بمقابلة سقط [ ص: 191 ] الأخرى ولو باع شاتين مذبوحتين غير مسلوختين بشاة واحدة مذبوحة غير مسلوخة يجوز ، ويقابل اللحم باللحم ، ومقابلة اللحم من المسلوختين بمقابلة سقط الأخرى ولو باع شاتين مذبوحتين بشاة واحدة مذبوحة غير مسلوخة لا يجوز ; لأن زيادة اللحم من غير المسلوختين مع السقط لا يقابله عوض فيكون ربا ولو باع شاتين مذبوحتين غير مسلوختين بشاة مذبوحة مسلوخة لا يجوز ; لأنهما مالان جمعهما الوزن فلا يجوز بيع أحدهما بالآخر مفاضلة ومجازفة ، حتى لو كانا مستويين في الوزن يجوز يدا بيد . باع شاتين مسلوختين بشاة مسلوخة