وإذا كان الجنس أحد ، وصفي علة ربا الفضل ، وعلة ربا النسيئة عندنا ، وشرط علة ربا الفضل عنده فلا بد من معرفة الجنس من كل ما يجري فيه الربا فنقول - وبالله التوفيق - : الحنطة كلها على اختلاف أنواعها ، وأوصافها ، وبلدانها أنها جنس واحد ، وكذلك الشعير ، وكذلك دقيقهما ، وكذا سويقهما ، وكذلك التمر ، وكذلك الملح ، وكذلك العنب ، وكذلك الزبيب ، وكذلك الذهب ، والفضة فلا يجوز متفاضلا في الكيل ، وإن تساويا في النوع ، والصفة بلا خلاف ، وأما متساويا في الكيل متفاضلا في النوع والصفة فنقول : لا خلاف في أنه يجوز بيع الحنطة بالحنطة السقية بالسقية والنحسية بالنحسية ، وإحداهما بالأخرى ، والجيدة بالجيدة ، والرديئة بالرديئة وإحداهما بالأخرى ، والجديدة بالجديدة ، والعتيقة بالعتيقة وإحداهما بالأخرى ، والمقلوة بالمقلوة . بيع كل مكيل من ذلك بجنسه
وكذلك الشعير على هذا ، وكذلك دقيق الحنطة ، ودقيق الشعير فيجوز بيع دقيق الحنطة بدقيق الحنطة ، وسويق الحنطة بسويق الحنطة ، وكذا دقيق الشعير ، وسويقه ، وكذا التمر بالتمر البرني بالمعقلي ، والجيد بالرديء ، والجديد بالجديد ، والعتيق بالعتيق ، وأحدهما بالآخر ، وكذلك العنب بالعنب ، والزبيب اليابس بالزبيب اليابس ، ولا خلاف في أنه لا يجوز بيع حنطة مقلية بحنطة غير مقلية ، والمطبوخة بغير مطبوخة .
وبيع [ ص: 188 ] الحنطة بدقيق الحنطة ، وبسويق الحنطة ، وبيع تمر مطبوخ بتمر غير مطبوخ متفاضلا في الكيل ، أو متساويا فيه ; لأن المقلية ينضم بعض أجزائها إلى بعض يعرف ذلك بالتجربة ; فيتحقق الفضل من حيث القدر في الكيل فيتحقق الربا ، وكذا المطبوخة بغير المطبوخة ; لأن المطبوخ ينتفخ بالطبخ فكان غير المطبوخة أكثر قدرا عند العقد فيتحقق الفضل ، وكذلك بيع الحنطة بدقيق الحنطة ; لأن في الحنطة دقيقا إلا أنه مجتمع ; لوجود المانع من التفرق ، وهو التركيب ، وذلك أكثر من الدقيق المتفرق عرف ذلك بالتجربة إلا أن الحنطة إذا طحنت ازداد دقيقها على المتفرق .
ومعلوم أن الطحن لا أثر له في زيادة القدر فدل أنه كان أزيد في الحنطة ; فيتحقق الفضل من حيث القدر بالتجربة عند العقد فيتحقق الربا .
وأما بيع الحنطة المبلولة بالمبلولة ، أو الندية بالندية ، أو الرطبة بالرطبة ، أو المبلولة ، أو اليابسة باليابسة ، فهل يجوز ؟ قال وبيع التمر بالرطب ، والرطب بالرطب ، أو بالتمر ، والمنقع بالمنقع ، والعنب بالزبيب اليابس ، واليابس بالمنقع ، والمنقع بالمنقع متساويا في الكيل رحمه الله : كل ذلك جائز ، وقال أبو حنيفة رحمه الله : كله جائز إلا بيع التمر بالرطب ، وقال أبو يوسف رحمه الله : كله فاسد إلا بيع الرطب بالرطب ، والعنب بالعنب ، وقال محمد رحمه الله : كله باطل . الشافعي
ويجوز متساويا ، ومتفاضلا بالإجماع ; لعدم الجنس ، والكيل إذ هو اسم لوعاء الطلع بيع الكفرى بالتمر ، والرطب بالبسر رحمه الله يعتبر المساواة في الحال عند العقد ، ولا يلتفت إلى النقصان في المآل ، فأبو حنيفة رحمه الله يعتبرها حالا ومآلا ، واعتبار ومحمد مثل اعتبار أبي يوسف إلا في الرطب بالتمر فإنه يفسده بالنص ، وأصل أبي حنيفة رحمه الله ما ذكرنا في مسألة علة الربا أن حرمة بيع المطعوم بجنسه هي الأصل ، والتساوي في المعيار الشرعي مع اليد مخلص إلا أنه يعتبر التساوي ههنا في المعيار الشرعي في أعدل الأحوال ، وهي حالة الجفاف ، واحتج الشافعي ، أبو يوسف بما روي عن ومحمد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { سعد بن أبي ، وقاص } بين عليه الصلاة والسلام الحكم ، وعلته ، وهي النقصان عند الجفاف نهى عن بيع الرطب بالتمر ، وقال عليه الصلاة والسلام إنه ينقص إذا جف عدى هذا الحكم إلى حيث تعدت العلة ، فمحمد قصره على محل النص ; لكونه حكما ثبت على خلاف القياس ، وأبو يوسف رحمه الله الكتاب الكريم ، والسنة المشهورة أما الكتاب : فعمومات البيع من نحو قوله تعالى { ولأبي حنيفة ، وأحل الله البيع } ، وقوله - عز شأنه - { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } فظاهر النصوص يقتضي جواز كل بيع إلا ما خص بدليل ، وقد خص البيع متفاضلا على المعيار الشرعي ; فبقي البيع متساويا على ظاهر العموم وأما السنة المشهورة فحديث ، أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما حيث { وعبادة بن الصامت } عاما مطلقا من غير تخصيص ، وتقييد ، ولا شك أن اسم الحنطة ، والشعير يقع على كل جنس الحنطة ، والشعير على اختلاف أنواعهما وأوصافهما ، وكذلك اسم التمر يقع على الرطب ، والبسر ; لأنه اسم لتمر النخل لغة فيدخل فيه الرطب ، واليابس ، والمذنب والبسر ، والمنقع . جوز رسول الله صلى الله عليه وسلم بيع الحنطة بالحنطة ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر مثلا بمثل
وروي أن { خيبر أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تمرا جنيبا فقال عليه الصلاة والسلام أوكل تمر خيبر هكذا ؟ وكان أهدى إليه رطبا } فقد أطلق عليه الصلاة والسلام اسم التمر على الرطب . عامل
وروي أنه { } ، والاحمرار ، والاصفرار من ، أوصاف البسر فقد أطلق عليه الصلاة والسلام اسم التمر على البسر فيدخل تحت النص . نهى عليه الصلاة والسلام عن بيع التمر حتى يزهو أي : يحمر ، أو يصفر ، وروي حتى يحمار ، أو يصفار
وأما الحديث فمداره على زيد بن عياش ، وهو ضعيف عند النقلة فلا يقبل في معارضة الكتاب والسنة المشهورة ; ولهذا لم يقبله رحمه الله في المناظرة في معارضة الحديث المشهور مع أنه كان من صيارفة الحديث ، وكان من مذهبه أبو حنيفة بعد أن كان راويه عدلا ظاهر العدالة ، أو بأدلة فيحمله على بيع الرطب بالتمر نسيئة ، أو تمرا من مال اليتيم توفيقا بين الدلائل صيانة لها عن التناقض ، والله - سبحانه وتعالى - أعلم وكذلك الذهب ، والفضة لا يجوز بيع كل بجنسه متفاضلا في الوزن سواء اتفقا في النوع ، والصفة بأن كانا مضروبين دراهم ، أو دنانير ، أو مصوغين ، أو تبرين جيدين ، أو رديئين ، أو اختلفا للحديث المشهور { تقديم الخبر ، وإن كان في حد الآحاد على القياس } . مثلا بمثل ، والفضل [ ص: 189 ] ربا
وأما متساويا في الوزن متفاضلا في النوع ، والصفة كالمصوغ بالتبر ، والجيد بالرديء فيجوز عندنا ، وقال رحمه الله : لا يجوز بيع الجيد بالرديء ، واحتج بالحديث المشهور مثلا بمثل ، ولا مماثلة بين الجيد ، والرديء في القيمة . الشافعي
وأما الحديث المشهور مثلا بمثل فالمراد منه المماثلة في الوزن ، وكذا روي في بعض الروايات { } ، وقوله عليه الصلاة والسلام { وزنا بوزن } ، وبه تبين أن الجودة عند المقابلة بجنسها لا قيمة لها شرعا فلا يظهر الفضل . جيدها ، ورديئها سواء