الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولا بأس بدخول أهل الذمة المساجد عندنا وقال مالك رحمه الله والشافعي لا يحل لهم دخول المسجد الحرام احتج مالك رحمه الله بقوله عز وجل { إنما المشركون نجس } وتنزيه المسجد عن النجس واجب يحققه أنه يجب تنزيه المسجد عن بعض الطاهرات كالنخامة ونحوها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن المسجد لينزوي من النخامة كما تنزوي الجلدة من النار } فعن النجاسة أولى واحتج الشافعي رحمه الله بقوله جل وعلا { فلا يقربوا المسجد بعد عامهم هذا } خص المسجد الحرام بالنهي عن قربانه فيدل على اختصاص حرمة الدخول به ليكون التخصيص مفيدا .

                                                                                                                                ( ولنا ) أن المشركين من وفود العرب وغيرهم كانوا يدخلون المسجد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه روي أن أبا سفيان دخل المسجد عام الحديبية وكذا وفد ثقيف دخلوا المسجد { وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة من دخل المسجد فهو آمن } جعل عليه الصلاة والسلام المسجد مأمنا ودعاهم إلى دخوله وما كان عليه الصلاة والسلام ليدعو إلى الحرام ( وأما ) الآية الكريمة فالمراد أنهم نجس الاعتقاد والأفعال لا نجس الأعيان إذ لا نجاسة على أعيانهم حقيقة وقوله عز وجل { فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } نهي عن دخول مكة للحج لا عن دخول المسجد الحرام نفسه لقوله تعالى { وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء } .

                                                                                                                                ومعلوم أن خوف العيلة إنما يتحقق بمنعهم عن دخول مكة لا عن دخول المسجد الحرام نفسه لأنهم إذا دخلوا مكة ولم يدخلوا المسجد الحرام لا يتحقق خوف العيلة ولما روي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سيدنا عليا رضي الله عنه ينادي ألا لا يحجن بعد هذا العام مشرك } فثبت أن هذا نهي عن دخول مكة للحج إلا أنه سبحانه وتعالى ذكر المسجد الحرام لما أن المقصد من إتيان مكة البيت والبيت في المسجد والله سبحانه وتعالى أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية