( ومنها ) يحل شرب الخل بلا خلاف لقوله : - عليه الصلاة والسلام { إذا تخللت بنفسها } وإنما يعرف التخلل بالتغير من المرارة إلى الحموضة بحيث لا يبقى فيها مرارة أصلا عند نعم الإدام الخل رضي الله عنه حتى لو بقي فيها بعض المرارة لا يحل وعند أبي حنيفة أبي يوسف تصير خلا بظهور قليل الحموضة فيها لأن من أصل ومحمد رحمه الله أن العصير من ماء العنب لا يصير خمرا إلا بعد تكامل معنى الخمرية فيه فكذا الخمر لا يصير خلا إلا بعد تكامل معنى الخلية فيه وعندهما يصير خمرا بظهور دليل الخمرية ويصير خلا بظهور دليل الخلية فيه هذا إذا تخللت بنفسها ، فأما أبي حنيفة ، فالتخليل جائز والخل حلال عندنا . إذا خللها [ ص: 114 ] صاحبها بعلاج من خل أو ملح أو غيرهما
وعند لا يجوز التخليل ولا يحل الخل الشافعي فلا شك أنه يحل عندنا ، وإن خللها بالنقل من موضع إلى موضع رحمه الله قولان واحتج بما روي أن بعد نزول تحريم الخمر { وللشافعي رحمه الله خمور لأيتام فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : ما نصنع بها يا رسول الله فقال : عليه الصلاة والسلام أرقها فقال أبي طلحة الأنصاري أفلا أخللها قال عليه الصلاة والسلام لا أبو طلحة } نص عليه الصلاة والسلام على النهي عن التخليل وحقيقة النهي للتحريم ولأن في الاشتغال بالتخليل احتمال الوقوع في الفساد ويتنجس الظاهر منه ضرورة ، وهذا لا يجوز بخلاف ما إذا تخللت بنفسها . كانت عند
( ولنا ) ما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : { } كالخمر إذا تخلل فيحل فحقق عليه الصلاة والسلام التخليل وأثبت حل الخل شرعا ولأن التخليل سبب لحصول الحل فيكون مباحا استدلالا بما إذا أمسكها حتى تخللت ، والدليل على أنه سبب لحصول الحل أن بهذا الصنع صار المائع حامضا بحيث لا يبين في الذوق أثر المرارة فلا يخلو إما إن كان ذلك لغلبة الحموضة المرارة مع بقائها في ذاتها ، وإما إن كان لتغير الخمر من المرارة إلى الحموضة لا سبيل إلى الأول لأنه لا حموضة في الملح لتغلب المرارة وكذا بإلقاء حلو قليل يصير حامضا في مدة قليلة لا تتخلل بنفسها عادة ، والقليل لا يغلب الكثير فتعين أن ظهور الحموضة بإجراء الله تعالى العادة على أن مجاوزة الخل يغيرها من المرارة إلى الحموضة في مثل هذا الزمان فثبت أن التخليل سبب لحصول الحل فيكون مباحا لأنه حينئذ يكون اكتساب مال متقوم عندنا وعنده يكون اكتساب المال وكل ذلك مشروع . أيما إهاب دبغ فقد طهر
( وأما ) الحديث فقد روي { أن رحمه الله لما قال : أفلا أخللها ؟ قال : - عليه الصلاة والسلام نعم أبا طلحة } فتعارضت الروايتان فسقط الاحتجاج على أنه يحمل على النهي عن التخليل لمعنى في غيره وهو دفع عادة العامة ، لأن القوم كانوا حديثي العهد بتحريم الخمر فكانت بيوتهم لا تخلو عن خمر وفي البيت غلمان وجوار وصبيان ، وكانوا ألفوا شرب الخمر وصار عادة لهم وطبيعة ، والنزوع عن العادة أمر صعب فقيم البيت إن كان ينزجر عن ذلك ديانة فقل ما يسلم الأتباع عنها لو أمر بالتخليل إذ لا يتخلل من ساعتها بل بعد وقت معتبر فيؤدي إلى فساد العامة وهذا لا يجوز ، وقد انعدم ذلك المعنى في زماننا ليقرر التحريم ويألف الطبع تحريمها ; حملناه على هذا دفعا للتناقض عن الدليل ، وبه تبين أن ليس فيما قلناه احتمال الوقوع في الفساد .
وقوله : تنجيس الظاهر من غير ضرورة نعم لكن لحاجة وإنه لجائز كدبغ جلد الميتة والله سبحانه وتعالى أعلم ، ثم لا فرق في ظاهر الرواية بين ما إذا ألقى فيها شيئا قليلا من الملح أو السمك أو الخل أو كثيرا حتى تحل في الحالين جميعا .
وروي عن أنه إن كان الخل كثيرا لا يحل ، ( وجه ) رواية أبي يوسف رحمه الله أن الملقى من الخل إذا كان قليلا فهذا تخليل لظهور الحموضة فيها بطريق التغيير ، فأما إذا كان كثيرا فهذا ليس بتخليل بل هو تغليب لغلبة الحموضة المرارة ، فصار كما لو ألقى فيها كثيرا من الحلاوات حتى صار حلوا ، أنه لا يحل بل يتنجس الكل فكذا هذا . أبي يوسف
( وجه ) ظاهر الرواية أن كل ذلك تخليل ; أما إذا كان قليلا فظاهر وكذلك إذا كان كثيرا لما ذكرنا أن ظهور الحموضة عند إلقاء الملح والسمك لا يكون بطريق التغليب لانعدام الحموضة فيهما فتعين أن يكون بطريق التغيير ، وفي الكثير يكون أسرع والله سبحانه وتعالى أعلم .