( ومنها ) عدم التطليق بشرط ، والإضافة إلى وقت في المستقبل حتى لو ، أو إن كلمت قال الزوج بعد الطلاق إن دخلت الدار فقد راجعتك ، أو راجعتك إن دخلت الدار زيدا أو إذا جاء غد فقد راجعتك غدا أو رأس شهر كذا لم تصح الرجعة في قولهم جميعا ; لأن الرجعة استيفاء ملك النكاح ، فلا يحتمل التعليق بشرط ، والإضافة إلى وقت في المستقبل كما لا يحتملها إنشاء الملك ; ولأن الرجعة تتضمن انفساخ الطلاق في انعقاده سببا لزوال الملك ، ومنعه عن عمله في ذلك فإذا علقها بشرط أو أضافها إلى وقت في المستقبل فقد استبقى الطلاق إلى غاية ، واستبقاء الطلاق إلى غاية يكون تأبيدا له إذ هو لا يحتمل التوقيت كما إذا قال لامرأته أنت طالق يوما أو شهرا أو سنة أنه لا يصح التوقيت ، ويتأبد الطلاق ، فلا تصح الرجعة ، هذا إذا أنشأ الرجعة ، فأما إذا أخبر عن الرجعة في الزمن الماضي بأن فإن صدقته المرأة فقد ثبتت الرجعة ، سواء قال ذلك في العدة أو بعد انقضاء العدة بعد أن كانت المرأة في العدة أمس . قال : كنت راجعتك أمس
وإن كذبته فإن قال ذلك في العدة فالقول قوله ; لأنه أخبر عما يملك إن شاءه في الحال ; لأن الزوج يملك الرجعة في الحال ، ومن أخبر عن أمر يملك إن شاءه في الحال يصدق فيه .
إذ لو لم يصدق ينشئه للحال ، فلا يفيد التكذيب فصار كالوكيل قبل العزل إذا قال بعته أمس ، وإن قال بعد انقضاء العدة فالقول قولها ; لأنه أخبر عما لا يملك إنشاءه في الحال ; لأنه لا يملك الرجعة بعد انقضاء العدة فصار كالوكيل بعد العزل إذا قال قد بعت ، وكذبه الموكل ولا يمين عليها في قول ، وعند أبي حنيفة أبي يوسف تستحلف . ، ومحمد
وهذه من المسائل المعدودة التي لا يجري فيها الاستحلاف عند نذكرها في كتاب الدعوى فإن أقام الزوج بينة قبلت بينته ، وتثبت الرجعة ; لأن الشهادة قامت على الرجعة في العدة فتسمع أبي حنيفة فالقول قولها عند ولو كانت المطلقة أمة الغير فقال زوجها - بعد انقضاء العدة - كنت راجعتك ، وكذبته الأمة وصدقه المولى ولا تثبت الرجعة ، وعندهما القول قول الزوج ، والمولى ، وتثبت الرجعة ; لأنها ملك المولى ، أبي حنيفة أن انقضاء عدتها إخبار منها عن حيضها ، وذلك إليها لا إلى المولى كالحرة ، فإن ، ولأبي حنيفة فالقول قولها عند قال الزوج لها : قد راجعتك ، فقالت - مجيبة له : قد انقضت عدتي مع يمينها . أبي حنيفة
وقال أبو يوسف : القول قول الزوج ، ، وأجمعوا على أنها لو سكتت [ ص: 186 ] ساعة ثم قالت : انقضت عدتي - يكون القول قول الزوج ، ولا خلاف أيضا في أنها إذا بدأت فقالت : انقضت عدتي فقال الزوج - مجيبا لها موصولا بكلامها : راجعتك يكون القول قولها ; وجه قولهما أن قول الزوج راجعتك وقع رجعة صحيحة لقيام العدة من حيث الظاهر فكان القول قول المرأة انقضت عدتي إخبارا عن انقضاء العدة ولا عدة لبطلانها بالرجعة ، فلا يسمع ، كما لو سكتت ساعة ثم قالت : انقضت عدتي ; ولأن قولها " انقضت عدتي " إن كان إخبارا عن انقضاء العدة في زمان متقدم على قول الزوج - لا يقبل منها بالإجماع ، كما لو أسندت الخبر عن الانقضاء إليه نصا بأن قالت : كانت عدتي قد انقضت قبل رجعتك ; لأنها متهمة في التأخير في الإخبار ، وإن كان ذلك إخبارا عن انقضاء العدة في زمان مقارن لقول الزوج فهذا نادر ، فلا يقبل قولها . ، ومحمد
أن المرأة أمينة في إخبارها عن انقضاء العدة فإن الشرع ائتمنها في هذا الباب ; قال الله تعالى { ، ولأبي حنيفة ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر } قيل في التفسير : إنه الحيض ، والحبل نهاهن - سبحانه ، وتعالى - عن الكتمان ، والنهي عن الكتمان أمر بالإظهار ، إذ النهي عن الشيء أمر بضده ، والأمر بالإظهار أمر بالقبول لتظهر فائدة الإظهار فلزم قبول قولها ، وخبرها بانقضاء العدة ، ومن ضرورة قبول الإخبار بانقضاء العدة حلها للأزواج ، ثم إن كانت عدتها انقضت قبل قول الزوج راجعتك - فقوله راجعتك يقع بعد انقضاء عدتها ، فلا يصح ، وإن كانت انقضت حال قوله راجعتك فيقع حال قوله راجعتك حال انقضاء العدة ، وكما لا تصح الرجعة بعد انقضاء العدة لا تصح حال انقضائها ; لأن العدة حال انقضائها منقضية فكان ذلك رجعة لمنقضية العدة ، فلا تصح ، فإن قيل يحتمل أنها انقضت حال إخبارها عن الانقضاء ، وإخبارها متأخر عن قوله راجعتك فكان انقضاء العدة متأخرا عنه ضرورة فتصح الرجعة فالجواب إذا احتمل ما قلنا واحتمل ما قلتم وقع الشك في صحة الرجعة ، ، والأصل أن ما لم يكن ثابتا إذا وقع الشك في ثبوته - لا يثبت مع الشك ، والاحتمال خصوصا فيما يحتاط فيه ولا سيما إذا كان جهة الفساد آكد ، وههنا جهة الفساد آكد ; لأنها تصح من وجه ، وتفسد من وجهين فالأولى أن لا يصح والله - عز وجل - الموفق ثم عند تستحلف ، وإذا نكلت يقضى بالرجعة ، وهذا يشكل على أصله ; لأن الاستحلاف للنكول ، والنكول بدل عنده ، والرجعة لا تحتمل البدل لكن الاستحلاف قد يكون للنكول ليقضى به وقد يكون لا للنكول بل لنفي التهمة بالحلف . أبي حنيفة
ألا ترى أنه يستحلف عنده فيما لا يقضى بالنكول أصلا كما في دعوى القصاص في النفس نفيا للتهمة ، والمرأة ، وإن كانت أمينة لكن الأمين قد يستحلف لنفي التهمة بالحلف فإذا نكلت فقد تحققت التهمة فلم يبق قولها حجة فبقيت الرجعة على حالها حكما لاستصحاب الحال لعدم دليل الزوال ; لأنه جعل نكولها بدلا مع ما أنه يمكن تحقيق معنى البدل ههنا ; لما ذكرنا أنها بالنكول صارت متهمة فخرج قولها من أن يكون حجة للتهمة فتبقى العدة ، وأثرها في المنع من الأزواج ، والسكون في منزل الزوج فقط ، ثم يقضى بالرجعة حكما لاستصحاب الحال ; لأنها بإخبارها بانقضاء عدتها حلت للأزواج ، وإذا نكلت فقد بدلت الامتناع من الأزواج ، والسكون في منزل الزوج ، وهذا معنى يحتمل البدل ، ومنها عدم شرط الخيار حتى لو شرط الخيار في الرجعة لم يصح ; لأنها استبقاء النكاح ، فلا يحتمل شرط الخيار كما لا يحتمل الإنشاء .