[ ص: 180 ] فصل ) :
وأما بيان حكم الطلاق فحكم الطلاق يختلف باختلاف الطلاق من الرجعي ، والبائن ، ويتعلق بكل واحد منهما أحكام بعضها أصلي ، وبعضها من التوابع ، أما فالحكم الأصلي له هو نقصان العدد ، فأما زوال الملك ، وحل الوطء فليس بحكم أصلي له لازم حتى لا يثبت للحال ، وإنما يثبت في الثاني بعد انقضاء العدة ، فإن طلقها ولم يراجعها بل تركها حتى انقضت عدتها بانت ، وهذا عندنا ، وعند الطلاق الرجعي زوال حل الوطء من أحكامه الأصلية ; حتى لا يحل له وطؤها قبل الرجعة ، وإليه مال الشافعي أبو عبد الله البصري .
وأما زوال الملك فقد اختلف فيه أصحابنا ، قال بعضهم : الملك يزول في حق حل الوطء لا غير .
وقال بعضهم : لا يزول أصلا ، وإنما يحرم وطؤها مع قيام الملك من كل وجه كالوطء في حالة الحيض ، والنفاس .
وجه قوله أن الطلاق واقع للحال ، فلا بد ، وأن يكون له أثر ناجز ، وهو زوال حل الوطء ، وزوال الملك في حق الحل وقد ظهر أثر الزوال في الأحكام حتى لا يحل له المسافرة بها ، والخلوة ، ويزول قسمها ، والأقراء قبل الرجعة محسوبة من العدة ، ولهذا سمى الله تعالى الرجعة ردا في كتابه الكريم بقوله - عز وجل - { ، وبعولتهن } أي : أزواجهن { أحق بردهن في ذلك } ، والرد في اللغة عبارة عن إعادة الغائب فيدل على زوال الملك من وجه .
( ولنا ) قوله تعالى { وبعولتهن أحق بردهن في ذلك } وقوله تعالى { ، وبعولتهن } أي : أزواجهن وقوله تعالى هن كناية عن المطلقات .
سماه الله تعالى زوجها بعد الطلاق ولا يكون زوجا إلا بعد قيام الزوجية فدل أن الزوجية قائمة بعد الطلاق والله - سبحانه وتعالى - أحل للرجل وطء زوجته بقوله - عز وجل - { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين } وقوله تعالى { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } وقوله - عز وجل - { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها } ونحو ذلك من النصوص ، والدليل على قيام الملك من كل وجه أنه يصح طلاقه ، وظهاره ، وإيلاؤه ، ويجري اللعان بينهما ، ويتوارثان ، وهذه أحكام الملك المطلق ، وكذا يملك مراجعتها بغير رضاها ولو كان ملك النكاح زائلا من وجه لكانت الرجعة إن شاء النكاح على الحرة من غير رضاها من وجه ، وهذا لا يجوز .
وأما قوله : الطلاق واقع في الحال - فمسلم لكن التصرف الشرعي قد يظهر أثره للحال وقد يتراخى عنه كالبيع بشرط الخيار ، وكالتصرف الحسي ، وهو الرمي ، وغير ذلك ، فجاز أن يظهر أثر هذا الطلاق بعد انقضاء العدة ، وهو زوال الملك ، وحرمة الوطء ، على أن له أثرا ناجزا ، وهو نقصان عدد الطلاق ، ونقصان حل المحلية ، وغير ذلك على ما عرف في الخلافيات .
وأما المسافرة بها فقد قال من أصحابنا : إنه يحل له المسافرة بها قبل الرجعة . زفر
وأما على قول أصحابنا الثلاثة فإنما لا تحل لا لزوال الملك بل لكونها معتدة وقد قال الله تعالى في المعتدات { لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } نهى الرجال عن الإخراج ، والنساء عن الخروج فيسقط الزوج العدة بالرجعة ; لتزول الحرمة ثم يسافر .
وأما الخلوة فإن كان من قصده الرجعة لا يكره ، وإن لم يكن من قصده المراجعة يكره ، لكن لا لزوال النكاح وارتفاع الحل بل للإضرار بها ; لأنه إذا لم يكن من قصده استيفاء النكاح بالرجعة فمتى خلا بها يقع بينهما المساس عن شهوة فيصير مراجعا لها ثم يطلقها ثانيا فيؤدي إلى تطويل العدة عليها فتتضرر بذلك ، وهو معنى قوله تعالى { ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا } ، وكذلك القسم ; لأنه لو ثبت القسم لخلا بها فيؤدي إلى ما ذكرنا إذا لم يكن من قصده أن يراجعها ، حتى لو كان من قصده أن يراجعها لكان لها القسم وله الخلوة بها ، وإنما احتسبنا الأقراء من العدة لانعقاد الطلاق سببا لزوال الملك ، والحل للحال على وجه يتم عليه عند انقضاء العدة ، وهو الجواب عن قوله : إن الله تعالى سمى الرجعة ردا ; لأنه يجوز إطلاق اسم الرد عند انعقاد سبب زوال الملك بدون الزوال كما في البيع بشرط خيار المتعاقدين أنه يطلق اسم الرد عند اختيار الفسخ ، وإن لم يزل الملك عن البائع ولم يثبت للمشتري ; لانعقاد سبب الزوال بدون الزوال ، ويكون الرد فسخا للسبب ، ومنعا له عن العمل في إثبات الزوال .
كذا ههنا .
ويستحب لها أن تتشوف ، وتتزين ; لأن الزوجية قائمة من كل وجه ، ويستحب لها ذلك لعل زوجها يراجعها ، وعلى هذا يبنى أنه ثابت للزوج بالإجماع سواء كان الطلاق واحدا أو اثنين ، أما عندنا فلقيام الملك من كل وجه ، وأما عنده فلقيامه فيما وراء حل الوطء . حق الرجعة