فإن كان بشرطين هل يشترط ؟ قال قيام الملك أو العدة عند وجود الشرطين جميعا أصحابنا الثلاثة : لا يشترط بل الشرط قيام الملك أو العدة عند وجود الشرط الأخير .
وقال : يشترط قيام الملك عند وجود الشرطين . زفر
وصورة المسألة إذا طلقت عندنا وعند قال لامرأته : إن كلمت زيدا وعمرا فأنت طالق فطلقها وانقضت عدتها فكلمت زيدا ثم تزوجها فكلمت عمرا لا تطلق ، وإن كان الكلام الأول في الملك والثاني في غير الملك بأن كلمت زفر زيدا وهي في ملكه ثم طلقها وانقضت عدتها ثم كلمت عمرا لا يقع الطلاق .
وجه قول أن الحالف جعل كلام زفر زيد وعمرو جميعا شرطا لوقوع الطلاق ، ووجود جميع الشرط شرط لنزول الجزاء ، ووقت نزول الجزاء هو وقت وجود الشرط ألا ترى أنها إذا كلمت أحدهما دون الآخر لا يقع الطلاق ؟ فكذا إذا كلمت أحدهما في غير الملك فذلك ملحق بالعدم كما إذا وجد الشرطان جميعا في غير الملك .
( ولنا ) أن الملك عند وجود الشرط فيشترط لنزول الجزاء ووقت نزول الجزاء وهو وقت وجود الشرط الأخير فيشترط قيام الملك عنده لا غير ، وهذا ; لأن الملك إنما يشترط إما لصحة التعليق أو لثبوت الحكم وهو نزول المعلق والملك القائم في الوقتين جميعا .
فأما وقت وجود الشرط الأول فليس وقت التعليق ولا وقت نزول الجزاء فلا معنى لاشتراط الملك عنده .
ونظير هذا الاختلاف في كتاب الزكاة : كمال النصاب في طرفي الحول ونقصانه في أثناء الحول لا يمنع الوجوب عندنا وعنده يشترط الكمال من أول الحول إلى آخره ، ولو قال لامرأته : إن دخلت الدار فأنت طالق إن كلمت فلانا يشترط قيام الملك عند وجود الشرط الأول وهو الدخول ; لأنه جعل الدخول شرط انعقاد اليمين كأنه قال لها عند الدخول : إن كلمت فلانا فأنت طالق ، واليمين لا تنعقد إلا في الملك أو مضافة إلى الملك فإن كانت في ملكه عند دخوله الدار صحت اليمين المتعلقة بالشرط وهو الكلام ، فإذا كلمت يقع الطلاق وإن لم تكن في ملكه عند الدخول بأن طلقها وانقضت عدتها ثم دخلت الدار لم يصح التعليق لعدم الملك والعدة ، فلا يقع الطلاق وإن كلمت .
وإن كان طلقها بعد الدخول بها قبل دخول الدار ثم دخلت الدار وهي في العدة ثم كلمت فلانا وهي في العدة طلقت ; لأن المعتدة يلحقها صريح الطلاق تنجيزا فيصح تعليق طلاقها أيضا في حال قيام العدة كالزوجة .
وإذا صح التعليق ووجد شرطه في الملك أو في العدة ينزل المعلق ، ولو قال لامرأته : أنت طالق إن شئت فهذا وقوله : أنت طالق إن دخلت الدار أو إن كلمت فلانا سواء ; من حيث إنه يقف وقوع الطلاق على مشيئتها كما يقف على دخولها وكلامها إلا أن ذلك تعليق بالشرط ، وهذا تمليك كقوله : أمرك بيدك واختاري ولهذا اقتصر على المجلس ، ولو حلف لا يحلف لا يحنث ; لأن الحلف بما سوى [ ص: 129 ] الله عز وجل شرط وجزاء ومشيئتها ليست بشرط ; لأن شرط الطلاق ما جعل علمنا على الطلاق ، وهو ما يكون دليلا على الطلاق من غير أن يكون وجود الطلاق به ; لأن ذلك يكون علة لا شرطا ، ومشيئتها يتعلق بها وجود الطلاق ، بل هي تطليق منها ، وكذلك مشيئته بأن قال لها : أنت طالق إن شئت أنا .
ألا ترى إذا قال لامرأته : شئت طلاقك طلقت ، كما إذا قال طلقت فإن قيل : أليس أنه إذا كان تعليقا للطلاق بشرط التطليق حتى لو طلقها يقع المنجز ثم ينزل المعلق ، والتعليق مما يحصل به الطلاق ومع هذا يصلح شرطا فالجواب : أن التنجيز يحصل به الطلاق المنجز لا الطلاق المعلق بل الطلاق المعلق يحصل بغيره ، فكان التنجيز في حق الطلاق المعلق علما محضا فكان شرطا ، وكذلك إذا قال لها : أنت طالق إن هويت أو أردت أو أحببت أو رضيت فهو مثل قوله : إن شئت ويتعلق الطلاق بالخبر عن هذه الأشياء إلا بحقائقها ، والأصل أنه متى قال لامرأته : أنت طالق إن طلقتك يتعلق بإخبارها عنه ، ومتى علق بشيء يوقف عليه من جهة غيرها لا يقبل قولها إلا ببينة ، وعلى هذا مسائل إذا علق الطلاق بشيء لا يوقف عليه إلا من جهتها فقالت : أحب أو أبغض يقع الطلاق استحسانا والقياس أن لا يقع . قال لها : إن كنت تحبيني أو تبغضيني فأنت طالق
وجه القياس : أنه علق الطلاق بشرط لا يعلم وجوده فأشبه التعليق بمشيئة الله تعالى .
وجه الاستحسان : أنه علقه بأمر لا يوقف عليه إلا من جهتها فيتعلق بإخبارها عنه ، كأنه قال لها : إن أخبرتني عن محبتك أو بغضك إياي فأنت طالق ، ولو نص على ذلك لتعلق بنفس الإخبار كذا هذا ، وعلى هذا إذا قال لها : إن كنت تحبين أن يعذبك الله بالنار أو إن كنت تكرهين الجنة فأنت طالق فقالت : أحب النار أو أكره الجنة ، وقع الطلاق لما قلنا ، ولو قال : إن كنت تحبيني بقلبك فأنت طالق فقالت : أحبك بقلبي وفي قلبها غير ذلك يقع الطلاق في قول أبي حنيفة . وأبي يوسف
وقال : لا يقع . محمد
وجه قوله أنه لما قيد المحبة بالقلب فقد علق الطلاق بحقيقة المحبة لا بالمخبر عنها فإذا لم يكن في قلبها محبة لم يوجد الشرط فلا يقع الطلاق ، ولهما أن المحبة والكراهة لما كانتا من الأمور الباطنة التي لا يوقف عليها إلا من جهتها تعلق الطلاق بنفس الإخبار عنهما دون الحقيقة وقد وجد ، وعلى هذا إذا طلقت حين رأت الدم واستمر إلى ثلاثة أيام ; لأن الحيض لا يوقف عليه إلا من قبلها فيقبل قولها في ذلك ، وإذا استمر الدم إلى ثلاثة أيام تبين أن ما رأت كان حيضا من حين وجوده فوقع الطلاق من ذلك الوقت ، ولو قال لها : إن حضت حيضة فأنت طالق لا يقع الطلاق ما لم تحض وتطهر ; لأن الحيضة اسم للكامل ; ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم في سبايا قال لها إن حضت فأنت طالق فقالت حضت أوطاس { } ويقع على الكامل حتى يقدر الاستبراء به ، وكمالها بانقضائها من ذلك باتصال جزء من الطهر بها فكان هذا في الحقائق تعليق الطلاق بالطهر . ألا لا توطأ الحبالى حتى يضعن ولا الحيالى حتى يستبرأن بحيضة
ونظيره إذا قال : إذا صمت يوما فأنت طالق وقع علي صوم كل اليوم وذلك بدخول أول جزء من الليل فكأنه علق الطلاق بدخول الليل وكذا هذا .
وكذا إذا قال : إن حضت نصف حيضة فأنت طالق لا تطلق ما لم تحض وتطهر ; لأن نصف حيضة حيضة كاملة فكأنه قال : إذا حضت حيضة .
وكذا إذا قال : إذا حضت سدس حيضة أو ثلث حيضة لما قلنا ، وكذلك إذا قال : إذا حضت نصف حيضة فأنت طالق ، وإذا حضت نصفها الآخر فأنت طالق ; لا يقع الطلاق ما لم تحض وتطهر فإذا حاضت وطهرت يقع تطليقتان ; لأنه علق طلقة بنصف حيضة ، ونصف حيضة حيضة كاملة ، وعلق طلقة أخرى بنصف تلك الحيضة بعينها وهي حيضة كاملة فكان هذا تعليق طلاقين بحيضة واحدة كاملة ; وكمالها بانقضائها واتصال الطهر بها وإذا اتصل بها الطهر طلقت تطليقتين .
ولو قال لها : أنت طالق في حيضك أو مع حيضك ، فحين ما رأت الدم تطلق بشرط أن يستمر بها الدم إلى ثلاثة أيام ; لأن كلمة في للظرف ، والحيض لا يصلح ظرفا للطلاق فيجعل شرطا فصار كأنه قال : أنت طالق إذا حضت ، وكلمة مع للمقارنة فيقتضي كون الطلاق مقارنا لحيضها فإذا رأت الدم ثلاثة أيام تبين أن المرئي كان حيضا من حين وجوده فيقع الطلاق من ذلك الوقت ، ولو قال لها : أنت طالق في حيضك أو مع حيضتك فما لم تحض وتطهر لا تطلق ; لأن الحيضة اسم للكامل وذلك باتصال الطهر ، ولو كانت حائضا في هذه الفصول كلها لا يقع ما لم تطهر من [ ص: 130 ] هذه الحيضة وتحيض مرة أخرى لأنه جعل الحيض شرطا لوقوع الطلاق ، والشرط ما يكون معدوما على خطر الوجود وهو الحيض الذي يستقبل لا الموجود في الحال فكان هذا تعليق الطلاق بحيض مبتدأ ، ولو قال لها : إذا حضت فأنت طالق وفلانة معك فقالت : حضت ; إن صدقها الزوج يقع الطلاق عليهما جميعا ، وإن كذبها يقع الطلاق عليها ولا يقع على صاحبتها ; لأنها أمينة في حق نفسها لا في حق غيرها فثبت حيضها في حقها لا في حق صاحبتها ، ويجوز أن يكون الكلام الواحد مقبولا في حق شخص غير مقبول في حق شخص آخر ، كما يجوز أن يكون مقبولا وغير مقبول في حق حكمين مختلفين كشهادة النساء مع الرجال إذا قامت على السرقة أنها تقبل في حق المال ولا تقبل في حق القطع .
وإذا قال إذا حضت فامرأتي الأخرى طالق وعبدي حر فقالت : قد حضت يقع الطلاق والعتاق إذا صدقها الزوج ، وإن كذبها لا يقع لما ذكرنا أن إقرارها على غيرها غير مقبول لأنه بمنزلة الشهادة على الغير .
ولو قال : إذا ولدت فأنت طالق فقالت ولدت لا يقع الطلاق ما لم يصدقها الزوج أو يشهد على الولادة رجلان أو رجل وامرأتان في قول . أبي حنيفة
وقال أبو يوسف : يقع الطلاق إذا شهدت القابلة على الولادة وجه قولهما أن ولادتها قد ثبتت بشهادة القابلة لكون النكاح قائما ، والولادة تثبت بشهادة القابلة حال قيام النكاح في تعيين الولد وفيما هو من لوازمه وهو النسب لمكان الضرورة ، والطلاق ليس من لوازم الولادة فلا تثبت الولادة في حق الطلاق بهذه الشهادة . ومحمد
ولو قال : إن دخلت الدار فأنت طالق أو إن كلمت فلانا فأنت طالق فقالت : دخلت أو كلمت ، لا يقع الطلاق ما لم يصدقها الزوج أو يشهد على ذلك رجلان أو رجل وامرأتان بالإجماع ; لأن قولها دخلت أو كلمت إقرار على الغير وهو الزوج بإبطال حقه فكان شهادة على الغير فلا تقبل .