( فصل ) :
وأما بيان فنقول وبالله التوفيق الزوجان إما إن كانا حرين وإما إن كانا رقيقين وإما إن كان أحدهما حرا والآخر رقيقا فإن كانا حرين ، فالحر يطلق امرأته الحرة ثلاث تطليقات بلا خلاف وإن كانا رقيقين فالعبد لا يطلق امرأته الأمة إلا تطليقتين بلا خلاف أيضا ، واختلف فيما إذا كان أحدهما حرا والآخر رقيقا أن عدد الطلاق يعتبر بحال الرجل في الرق والحرية أم بحال المرأة قال أصحابنا رحمهم الله تعالى : يعتبر بحال المرأة وقال قدر الطلاق وعدده : يعتبر بحال الرجل حتى إن العبد إذا كانت تحته حرة يملك عليها ثلاث تطليقات عندنا وعنده لا يملك عليها إلا تطليقتين . الشافعي
والحر إذا كانت تحته أمة لا يملك عليها إلا تطليقتين عندنا وعنده يملك عليها ثلاث تطليقات ، والمسألة مختلفة بين الصحابة رضي الله عنهم روي عن علي رضي الله عنهم مثل قولنا وعن وعبد الله بن مسعود عثمان مثل قوله وعن وزيد بن ثابت رضي الله عنهما أنه يعتبر بحال أيهما كان رقيقا ولا خلاف في أن العدة تعتبر بحال المرأة احتج عبد الله بن عمر بما روي عن الشافعي رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { عبد الله بن عباس } والمراد منه اعتبار الطلاق في القدر والعدد لا الإيقاع لأن ذلك مما لا يشكل وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { الطلاق بالرجال والعدة بالنساء } من غير فصل بين ما إذا كانت تحته أمة أو حرة . : يطلق العبد ثنتين وتعتد الأمة بحيضتين
ولأن الرق إنما يؤثر في نقصان الحل لكون الحل نعمة وأنه نعمة في جانب الرجل لا في جانب المرأة لأنها مملوكة مرقوقة فلا يؤثر رقها في نقصان الحل .
( ولنا ) الكتاب والسنة والمعقول أما الكتاب فقوله تعالى : { الطلاق مرتان } إلى قوله عز وجل : { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } والنص ورد في الحرة أخبر الله تعالى أن حل الحرة يزول بالثلاث من غير فصل بين ما إذا كانت تحت حر أو تحت عبد فيجب العمل بإطلاقه ، والدليل على أن النص ورد في الحرة قرائن الآية الكريمة أحدها أنه قال تعالى : { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } والأمة لا تملك الافتداء بغير إذن المولى ، والثاني قوله عز وجل : { حتى تنكح زوجا غيره } والأمة لا تملك إنكاح نفسها من غير إذن مولاها والثالث قوله تعالى : { فلا جناح عليهما أن يتراجعا } أي يتناكحا بعد طلاق الزوج الثاني وذا في الحر والحرة وأما السنة فما روي عن رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { عائشة } جعل عليه الصلاة والسلام طلاق جنس الإماء ثنتين لأنه أدخل لام الجنس على الإماء كأنه قال : طلاق كل أمة ثنتان من غير فصل بين ما إذا كان زوجها حرا أو عبدا وأما المعقول فمن وجهين : أحدهما أن الأصل في الطلاق هو الحظر لما ذكرنا من الدلائل فيما تقدم إلا أنه أبيحت الطلقة الواحدة للحاجة إلى الخلاص عند مخالفة الأخلاق لأن عند ذلك تصير المصلحة في الطلاق ليزدوج كل واحد منهما بمن يوافقه فتحصل مقاصد النكاح إلا أن احتمال الندم من الجانبين قائم بعد الطلاق كما أخبر الله تعالى : { : طلاق الأمة ثنتان وعدتها حيضتان لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا } فلو ثبتت الحرمة بطلقة واحدة ولم يشرع طلاق آخر حتى يتأمل الزوج فيه ربما يندم ولا يمكنه التدارك بالرجعة ولا توافقه المرأة في النكاح ولا يمكنه الصبر عنها فيقع في الزنا فأبيحت الطلقة الثانية لهذه الحاجة ولا حاجة إلى الطلقة الثالثة إلا أن الشرع ورد بها في الحرة إذا كانت تحت حر وعبد إظهارا لخطر النكاح وإبانة لشرفه ، وملك النكاح في الأمة في الشرف والخطر دون ملك النكاح في الحرة لأن شرف النكاح وخطره لما يتعلق به من المقاصد الدينية والدنيوية منها الولد والسكن ومعلوم أن هذين المقصودين في نكاح الأمة دونهما في نكاح الحرة لأن ولد الحرة حر وولد الرقيقة رقيق ، والمقصود من الولد الاستئناس والاستنصار به في الدنيا والدعوة الصالحة في العقبى وهذا المقصود لا يحصل من الولد الرقيق مثل ما يحصل من الحر لكون المرقوق مشغولا بخدمة المولى وكذا سكون نفس الزوج إلى امرأته الأمة لا يكون مثل سكونه إلى امرأته الحرة فلم يكن هذا في معنى مورد الشرع فبقيت الطلقة فيه على [ ص: 98 ] أصل الحظر والثاني أن حكم الطلاق زوال الحل وهو حل المحلية فيتقدر بقدر الحل وحل الأمة أنقص من حل الحرة ; لأن الرق ينقص الحل ; لأن الحل نعمة لكونه وسيلة إلى النعمة ; وهي مقاصد النكاح والوسيلة إلى النعمة نعمة ، وللرق أثر في نقصان النعمة ولهذا أثر في نقصان المالكية حتى يملك الحر التزوج بأربع نسوة والعبد لا يملك التزوج إلا بامرأتين وأما الحديثان فقد قيل : إنهما غريبان ثم إنهما من الآحاد ولا يجوز تقييد مطلق الكتاب العزيز بخبر الواحد ولا معارضة الخبر المشهور به ثم نقول : لا حجة فيهما أما الأول فلأن قوله { } إلصاق الاسم بالاسم فيقتضي ملصقا محذوفا ، والملصق المحذوف يحتمل أن يكون هو الإيقاع ويحتمل أن يكون هو الاعتبار فلا يكون حجة مع الاحتمال وقوله : " الإيقاع لا يشكل " ممنوع بل قد يشكل وبيان الإشكال من وجهين : أحدهما أن النكاح مشترك بين الزوجين في الانعقاد والأصل في كل عقد - كان انعقاده بعاقدين - أن يكون ارتفاعه بهما أيضا كالبيع والإجارة ونحوهما ، والثاني أنه مشترك بينهما في الأحكام والمقاصد فيشكل أن يكون الإيقاع بهما على الشركة فحل الإشكال بقوله " الطلاق بالرجال " وأما الثاني ففيه أن العبد يطلق ثنتين وهذا لا ينفي الثالثة كما يقال فلان يملك درهمين ، وقوله صلى الله عليه وسلم { الطلاق بالرجال } إضافة الطلاق إلى الأمة والإضافة للاختصاص فيقتضي أن يكون الطلاق المختص بالأمة ثنتان ولو ملك الثالثة عليها لبطل الاختصاص ، ومثاله قول القائل " مال فلان درهمان " أنه ينفي الزيادة لما قلنا كذا هذا وقد خرج الجواب عن قوله إن الحل في جانبها ليس بنعمة لأنا بينا أنه نعمة في حقها أيضا ، لكونه وسيلة إلى النعمة والملك في باب النكاح ليس بمقصود بل هو وسيلة إلى المقاصد التي هي نعم ، والوسيلة إلى النعمة نعمة والله تعالى أعلم . طلاق الأمة ثنتان