الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولو حلف لا يتزوج هذه المرأة فهو على الصحيح دون الفاسد حتى لو تزوجها نكاحا فاسدا لا يحنث لأن المقصود من النكاح الحل ولا يثبت بالفاسد لأنه لا يثبت بسببه وهو الملك بخلاف البيع فإن المقصود منه الملك وإنه يحصل بالفاسد وكذلك لو حلف لا يصلي ولا يصوم فهو على الصحيح حتى لو صلي بغير طهارة أو صام بغير نية لا يحنث لأن المقصود منه التقرب إلى الله سبحانه وتعالى ولا يحصل ذلك بالفاسد ولو كان ذلك كله في الماضي بأن قال إن كنت صليت أو صمت أو تزوجت فهو على الصحيح والفاسد .

                                                                                                                                لأن الماضي لا يقصد به الحل والتقرب وإنما يقصد به الإخبار عن المسمى بذلك والاسم يطلق على الصحيح والفاسد فإن عنى به الصحيح دين في القضاء لأنه النكاح المعنوي .

                                                                                                                                ولو حلف لا يصلي فكبر ودخل في الصلاة لم يحنث حتى يركع ويسجد سجدة استحسانا والقياس أن يحنث بنفس الشروع لأنه كما شرع فيه يقع عليه اسم المصلي فيحنث كما لو حلف لا يصوم فنوى الصوم وشرع فيه وجه الاستحسان وهو الفرق بين الصلاة وبين الصوم أن الحالف جعل شرط جنسه فعل الصلاة والصلاة في عرف الشرع اسم لعبادة متركبة من أفعال مختلفة من القيام والقراءة والركوع والسجود والمتركب من أجزاء مختلفة لا يقع اسم كله على بعضه كالسكنجبين ونحو ذلك فما لم توجد هذه الأفعال لا يوجد فعل الصلاة بخلاف الصوم لأن بصوم ساعة يحصل فعل صوم كامل لأنه اسم لعبادة مركبة من أجزاء متفقة وهي الإمساكات وما هذا حاله فاسم كله ينطلق على بعضه حقيقة كاسم الماء أنه كما ينطلق على ماء البحر ينطلق على قطرة منه وقطرة من خل من جملة دن من خل أنه يسمى خلا حقيقة فإذا صام ساعة فقد وجد منه فعل الصوم الذي منع نفسه منه فيحنث وبخلاف ما لو حلف لا يصلى صلاة أنه لا يحنث حتى يصلي ركعتين لأنه لما ذكر الصلاة فقد جعل شرط الحنث ما هو صلاة شرعا وأقل ما اعتبره الشرع من الصلاة ركعتان بخلاف الفصل الأول لأن ثمة شرط الحنث هناك فعل الصلاة وفعل الصلاة يوجد بوجود هذه الأفعال وما يوجد بعد ذلك إلى تمام ما يصير عبادة معهودة معتبرة شرعا تكرار لهذه الأفعال فلا تقف تسمية فعل الصلاة على وجوده وقد وجد ذلك كله في آية واحدة من كتاب الله عز وجل وهو قوله تعالى : { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة } وأراد به الركعتين جميعا لأنه ورد في صلاة السفر ثم قال : { ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك } وأراد به ركعة واحدة لأن الطائفة الثانية لا يصلون إلا ركعة واحدة .

                                                                                                                                ولو حلف لا يصوم يوما لا يحنث حتى يصوم يوما تاما لأنه جعل شرط الحنث صوما مقدرا باليوم لأنه جعل كل اليوم ظرفا له ولا يكون كل اليوم ظرفا له إلا باستيعاب الصوم جميع اليوم وكذا لو حلف لا يصوم صوما لأنه ذكر المصدر وهو الصوم والصوم اسم لعبادة مقدرة باليوم شرعا فيصرف إلى المعهود المعتبر في الشرع [ ص: 85 ] بخلاف ما إذا حلف لا يصوم لأنه جعل فعل الصوم شرطا وبصوم ساعة واحدة وجد فعل الصوم ولو حلف لا يصلي الظهر لا يحنث حتى يتشهد بعد الأربع لأن الظهر أربع ركعات فما لم توجد الأربع لا توجد الظهر فلا يحنث ولو قال عبده حر إن أدرك الظهر مع الإمام فأدركه في التشهد ودخل معه حنث لأن إدراك الشيء لحوق آخره يقال أدرك فلان زمن النبي صلى الله عليه وسلم ويراد به لحوق آخره وروي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { من أدرك الإمام يوم الجمعة في التشهد فقد أدرك الجمعة } وروي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه انتهى يوما إلى الإمام فأدركه في التشهد فقال الله أكبر أدركنا معه الصلاة ولو حلف لا يصلي الجمعة مع الإمام فأدرك معه ركعة فصلاها معه ثم سلم الإمام وأتم هو الثانية لا يحنث لأنه لم يصل الجمعة مع الإمام إذ هي اسم للكل وهو ما صلى الكل مع الإمام ولو افتتح الصلاة مع الإمام ثم نام أو أحدث فذهب وتوضأ فجاء وقد سلم الإمام فاتبعه في الصلاة حنث وإن لم يوجد أداء الصلاة مقارنا للإمام لأن كلمة مع ههنا لا يراد بها حقيقة القرآن بل كونه تابعا له مقتديا به ألا ترى أن أفعاله وانتقاله من ركن إلى ركن لو حصل على التعاقب دون المقارنة عرف مصليا معه كذا ههنا وقد وجد لبقائه مقتديا به تابعا له ولو نوى حقيقة المقارنة صدق فيما بينه وبين الله تعالى وفي القضاء لأنه نوى حقيقة كلامه .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية