الفصل الحادي عشر :
nindex.php?page=treesubj&link=29398عقله - صلى الله عليه وسلم -
أما أصل فروعها ، وعنصر ينابيعها ، ونقطة دائرتها فالعقل الذي منه ينبعث العلم ، والمعرفة ، ويتفرع عن هذا ثقوب الرأي ، وجودة الفطنة ، والإصابة ، وصدق الظن ، والنظر للعواقب ، ومصالح
[ ص: 176 ] النفس ، ومجاهدة الشهوة ، وحسن السياسة والتدبير ، واقتناء الفضائل ، وتجنب الرذائل . وقد أشرنا إلى مكانه منه - صلى الله عليه وسلم - وبلوغه منه ، ومن العلم الغاية القصوى التي لم يبلغها بشر سواه ، وإذ جلالة محله من ذلك ، ومما تفرع منه متحققة عند من تتبع مجاري أحواله ، واطراد سيره ، وطالع جوامع كلامه . وحسن شمائله ، وبدائع سيره ، وحكم حديثه ،
nindex.php?page=treesubj&link=29398وعلمه بما في التوراة ، والإنجيل ، والكتب المنزلة ، وحكم الحكماء ، وسير الأمم الخالية ، وأيامها ، وضرب الأمثال ، وسياسات الأنام ، وتقرير الشرائع ، وتأصيل الآداب النفسية ، والشيم الحميدة إلى فنون العلوم التي اتخذ أهلها كلامه - صلى الله عليه وسلم - فيها قدوة ، وإشاراته حجة ، كالعبارة ، والطب ، والحساب ، والفرائض ، والنسب ، وغير ذلك مما سنبينه في معجزاته إن شاء الله تعالى ، دون تعليم ، ولا مدارسة ، ولا مطالعة كتب من تقدم ، ولا الجلوس إلى علمائهم ، بل نبي أمي لم يعرف بشيء من ذلك ، حتى شرح الله صدره ، وأبان أمره ، وعلمه ، وأقرأه ، يعلم ذلك بالمطالعة ، والبحث عن حاله ضرورة ، وبالبرهان القاطع على نبوته نظرا ، فلا نطول بسرد الأقاصيص ، وآحاد القضايا ، إذ مجموعها ما لا يأخذه حصر ، ولا يحيط به حفظ جامع ، وبحسب عقله كانت معارفه - صلى الله عليه وسلم - إلى سائر ما علمه الله - تعالى - ، وأطلعه عليه من علم ما يكون وما كان ، وعجائب قدرته ، وعظيم ملكوته ، قال الله - تعالى -
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=113وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما [ النساء : 113 ] حارت العقول في تقدير فضله عليه ، وخرست الألسن دون وصف يحيط بذلك أو ينتهي إليه .
الْفَصْلُ الْحَادِي عَشَرَ :
nindex.php?page=treesubj&link=29398عَقْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أَمَّا أَصْلُ فُرُوعِهَا ، وَعُنْصُرُ يَنَابِيعِهَا ، وَنُقْطَةُ دَائِرَتِهَا فَالْعَقْلُ الَّذِي مِنْهُ يَنْبَعِثُ الْعِلْمُ ، وَالْمَعْرِفَةُ ، وَيَتَفَرَّعُ عَنْ هَذَا ثُقُوبُ الرَّأْيِ ، وَجَوْدَةُ الْفِطْنَةِ ، وَالْإِصَابَةُ ، وَصِدْقُ الظَّنِّ ، وَالنَّظَرُ لِلْعَوَاقِبِ ، وَمَصَالِحُ
[ ص: 176 ] النَّفْسِ ، وَمُجَاهَدَةُ الشَّهْوَةِ ، وَحُسْنُ السِّيَاسَةِ وَالتَّدْبِيرِ ، وَاقْتِنَاءُ الْفَضَائِلِ ، وَتَجَنُّبُ الرَّذَائِلِ . وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَى مَكَانِهِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبُلُوغِهِ مِنْهُ ، وَمِنَ الْعِلْمِ الْغَايَةَ الْقُصْوَى الَّتِي لَمْ يَبْلُغْهَا بَشَرٌ سِوَاهُ ، وَإِذْ جَلَالَةُ مَحَلِّهِ مِنْ ذَلِكَ ، وَمِمَّا تَفَرَّعَ مِنْهُ مُتَحَقِّقَةٌ عِنْدَ مَنْ تَتَبَّعَ مَجَارِيَ أَحْوَالِهِ ، وَاطِّرَادَ سِيَرِهِ ، وَطَالَعَ جَوَامِعَ كَلَامِهِ . وَحُسْنَ شَمَائِلِهِ ، وَبَدَائِعَ سِيَرِهِ ، وَحُكْمَ حَدِيثِهِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=29398وَعِلْمِهِ بِمَا فِي التَّوْرَاةِ ، وَالْإِنْجِيلِ ، وَالْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ ، وَحِكَمِ الْحُكَمَاءِ ، وَسِيَرِ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ ، وَأَيَّامِهَا ، وَضَرْبِ الْأَمْثَالِ ، وَسِيَاسَاتِ الْأَنَامِ ، وَتَقْرِيرِ الشَّرَائِعِ ، وَتَأْصِيلِ الْآدَابِ النَّفْسِيَّةِ ، وَالشِّيَمِ الْحَمِيدَةِ إِلَى فُنُونِ الْعُلُومِ الَّتِي اتَّخَذَ أَهْلُهَا كَلَامَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا قَدْوَةً ، وَإِشَارَاتِهِ حُجَّةً ، كَالْعِبَارَةِ ، وَالطِّبِّ ، وَالْحِسَابِ ، وَالْفَرَائِضِ ، وَالنَّسَبِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَنُبَيِّنُهُ فِي مُعْجِزَاتِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، دُونَ تَعْلِيمٍ ، وَلَا مُدَارَسَةٍ ، وَلَا مُطَالَعَةِ كُتُبِ مَنْ تَقَدَّمَ ، وَلَا الْجُلُوسِ إِلَى عُلَمَائِهِمْ ، بَلْ نَبِيٌّ أُمِّيٌّ لَمْ يُعْرَفْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ، حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ ، وَأَبَانَ أَمْرَهُ ، وَعَلَّمَهُ ، وَأَقْرَأَهُ ، يَعْلَمُ ذَلِكَ بِالْمُطَالَعَةِ ، وَالْبَحْثِ عَنْ حَالِهِ ضَرُورَةً ، وَبِالْبُرْهَانِ الْقَاطِعِ عَلَى نُبُوَّتِهِ نَظَرًا ، فَلَا نَطُولُ بِسَرْدِ الْأَقَاصِيصِ ، وَآحَادِ الْقَضَايَا ، إِذْ مَجْمُوعُهَا مَا لَا يَأْخُذُهُ حَصْرٌ ، وَلَا يُحِيطُ بِهِ حِفْظٌ جَامِعٌ ، وَبِحَسَبِ عَقْلِهِ كَانَتْ مَعَارِفُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى سَائِرِ مَا عَلَّمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - ، وَأَطْلَعَهُ عَلَيْهِ مِنْ عِلْمِ مَا يَكُونُ وَمَا كَانَ ، وَعَجَائِبِ قُدْرَتِهِ ، وَعَظِيمِ مَلَكُوتِهِ ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=113وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا [ النِّسَاءِ : 113 ] حَارَتِ الْعُقُولُ فِي تَقْدِيرِ فَضْلِهِ عَلَيْهِ ، وَخَرِسَتِ الْأَلْسُنُ دُونَ وَصْفٍ يُحِيطُ بِذَلِكَ أَوْ يَنْتَهِي إِلَيْهِ .