( فصل ) : وهذه الطرق يسلكها من يساعدهم على أنهم لم يحرفوا ألفاظ التوراة والإنجيل ولم يبدلوها ، فيسلكها بعض نظار المسلمين معهم من غير تعرض إلى التبديل والتحريف .
وطائفة أخرى تزعم أنهم بدلوا وحرفوا كثيرا من ألفاظ الكتابين ، مع أن الغرض الحامل لهم على ذلك دون الغرض الحامل لهم على تبديل البشارة برسول الله صلى الله عليه وسلم بكثير ، وإن البشارات لكثرتها لم يمكنهم إخفاءها كلها وتبديلها ، ففضحهم ما عجزوا عن كتمانه أو تبديله . وكيف تنكر الأمة الغضبية قتلة الأنبياء الذين رموهم بالعظائم أن ينكروا نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفته وقد جحدوا بنبوة المسيح ورموه وأمه بالعظائم ، ونعته [ ص: 416 ] والبشارة به موجود في كتبهم ؟ ومع هذا أطبقوا على جحد نبوته ، وإنكار بشارة الأنبياء به ، ولم يفعل بهم ما فعله محمد صلى الله عليه وسلم من القتل والسبي وغنيمة الأموال ، وتخريب الديار وإجلائهم منها ، فكيف لا تتواصى هذه الأمة بكتمان بعثه وصفته ، وتبدله من كتبهم ؟ وقد نعى الله سبحانه وتعالى عليهم ذلك في غير موضع من كتابه ولعنهم عليه .
ومن العجب أنهم والنصارى يقرون أن التوراة كانت طول مملكة بني إسرائيل عند الكاهن الأكبر الهاروني وحده ، واليهود تقر أن السبعين كاهنا اجتمعوا على اتفاق من جميعهم على تبديل ثلاثة عشر حرفا من التوراة ، وذلك بعد المسيح في عهد القياصرة الذين كانوا تحت قهرهم ، حيث زال الملك عنهم ، ولم يبق لهم ملك يخافونه ويأخذ على أيديهم ، ومنهم من يقول : بلى وهو بخت نصر حين ألزمهم بكتابة التوراة لطائفة من جماعته حين أسكنهم بيت المقدس وعلى تقدير الروايتين ، فمن رضي بتبديل موضع واحد من كتاب الله فلا يؤمن منه تحريف غيره واليهود تقر أن السامرة حرفوا مواضع في التوراة وبدلوها تبديلا ظاهرا وزادوا ونقصوا ، والسامرة تدعي ذلك عليهم .
وأما النصارى منه أربع كتب مختلفة ، من تأليف أربعة رجال : الإنجيل فقد تقدم أن الذي بأيدي يوحنا ومتى ، ومرقس ، ولوقا ، فكيف ينكر تطرق التبديل والتحريف إليها ؟ وعلى ما فيها من ذلك فقد صرفهم الله عن تبديل ما ذكرنا من البشارات بمحمد بن عبد الله وإزالته ، وإن قدروا على كتمانه على أتباعهم وجهالهم .